كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)

ولكِن قد صحَّ عنِ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من حديثِ عُمرَ بن الخطّابِ (¬١)، وعبدِ اللَّه بن عُمرَ، والمُغيرةِ بن شُعبةَ، وغيرِهِم: أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يُعذَّبُ الميِّتُ بما نِيحَ عليه". وهذا محمُولٌ عندَ جماعةٍ من أهلِ العِلم، على ما نذكُرُهُ في هذا (¬٢) البابِ عنهُم بعدَ ذِكرِ الآثارِ في ذلك إن شاءَ اللَّه.
فأمّا إنكارُ عائشةَ على ابنِ عُمرَ، فقد رُوِيَ من وُجُوهٍ:
منها: ما رواهُ هشامُ بن عُروةَ، عن أبيه، عنِ ابنِ عُمرَ، قال: قال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ الميِّت ليُعذَّبُ ببُكاءِ أهْلِهِ (¬٣) ". فذُكِرَ ذلك لعائشةَ، فقالت: وَهَلَ (¬٤) ابنُ عُمرَ، إنَّما مَرَّ رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على يهُوديٍّ، فقال: "إنَّ صاحِبَ هذا القَبرِ يُعذَّبُ، وأهلُهُ يبكُونَ عليه" (¬٥).
وروَىَ أيُّوبُ، عنِ ابنِ أبي مُلَيكةَ، عنِ القاسم، قال: قالت عائشةُ: إنَّكُم لتُحدِّثُونَ عن غيرِ كاذِبَيْنِ: عُمر وابنِهِ، ولكِنَّ السَّمعَ يُخطِئُ (¬٦).
قال أبو عُمر: ليس إنكارُ عائشةَ بشيءٍ. وقد وقفَ ابنُ عُمرَ على مِثلِ ما نزعَتْ به عائشةُ، فلم يَرْجِع، وثبتَ على ما سمِعَ، وهُو الواجِبُ كان عليه.
---------------
(¬١) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه. وكذا ما بعده.
(¬٢) هذا الحرف سقط من م.
(¬٣) هذه الكلمة سقطت من م.
(¬٤) وهلَ، بفتح الهاء وكسرها، أي: ذهب وهمه إلى ذلك. ووهلَ في الشيء، وعن الشيء، يوهل وهلًا، إذا غلط فيه وسها. لسان العرب ١١/ ٧٣٧.
(¬٥) أخرجه أحمد في مسنده ٩/ ٢١، ٤٠/ ٣٤٧ (٤٩٥٩، ٢٤٣٠٢)، والبخاري (٣٩٧٨)، ومسلم (٩٣٢) (٢٦)، وأبو داود (٣١٢٩)، والنسائي في المجتبى ٤/ ١١٠، وفي الكبرى ٢/ ٤٨٢ (٢٢١٤) من طريق هشام بن عروة، به. وانظر: المسند الجامع ١٠/ ٧٢٨ - ٧٢٩ (٨١٤٠).
(¬٦) أخرجه إسحاق بن راهوية (١٢٥٦)، وأحمد في مسنده ١/ ٣٨٦ (٢٨٨)، ومسلم (٩٢٨) (٢٢)، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٧٣، من طريق أيوب، به. وانظر: المسند الجامع ١٣/ ٥١٩ (١٠٤٨٥).

الصفحة 117