كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)
وقد رَوَى مِثلَ رِوايةِ ابنِ عُمر هذه جَماعةٌ من الصَّحابةِ.
حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ وسعيدُ بن نصرٍ، قالا: حدَّثنا قاسمُ بن أصبَغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن إسماعيل، قال: حدَّثنا الحُميديُّ، قال (¬١): حدَّثنا سُفيانُ، قال: حدَّثنا عَمرُو بن دينارٍ، أَنَّهُ سمِعَ ابنَ أبي مُليكةَ، يقولُ: حَضَرتُ جِنازةَ أُمِّ أبانٍ، وفي الجِنازةِ عبدُ اللَّه بن عُمرَ وعبدُ اللَّه بن عبّاسٍ، فجَلَستُ بينهُما، فبَكَى النِّساءُ، فقال ابنُ عُمرَ: إنَّ بُكاءَ الحيِّ على الميِّتِ عَذابٌ للميِّتِ. قال: فقال ابنُ عبّاس: صَدَرنا مع عُمرَ أميرِ المُؤمِنينَ، حتّى إذا كُنّا بالبَيْداءِ، إذا هُو بركبٍ نُزُولٍ تحتَ شَجَرةٍ، فقال: يا عبدَ اللَّه اذهَبْ، فانْظُر منِ الرَّكبُ، ثُمَّ الحَقْني. فذهَبتُ، فقلتُ: هذا صُهيبٌ مولى ابنِ جُدعانَ، فقال: مُرهُ فلْيلحَقْني. قال: فلمّا قَدِمنا المدينةَ، لم يلبَثْ عُمرُ أن طُعِنَ، فجاءَ صُهَيبٌ وهُو يقولُ: واأُخيّاهُ، واصاحِباهُ. فقال عُمرُ: مَهْ يا صُهيبُ، إنَّ الميِّت يُعذَّبُ ببُكاءِ الحيِّ عليه. فقال ابنُ عبّاس: فأتَيْتُ عائشةَ فسألتُها، فقالت: يَرْحمُ اللَّهُ عُمرَ، إنَّما قال رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّ اللَّهَ ليَزِيدُ الكافِرَ عذابًا ببعضِ بُكاءِ أهلِهِ عليه". وقد قضى اللَّه {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: ٣٨].
فهذا عُمرُ قد رَوَى في بُكاءِ الحيِّ على الميِّتِ، مِثلَ رِوايةِ ابنِهِ سَواءً، وهذا حديثٌ ثابتٌ عن عُمرَ صحيحُ الإسنادِ، لا مَقال فيه لأحَدٍ، وقد رواهُ عنِ ابنِ أبي (¬٢) مُليكةَ جماعةٌ، منهُم: أيُّوبُ السَّختِيانيُّ (¬٣)، وغيرُهُ.
---------------
(¬١) في مسنده (٢٢٠). ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في المستخرج (٢٠٧٨).
(¬٢) هذا الحرف سقط من الأصل، م. وهو عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مليكة، واسمه زهير، بن عبد اللَّه بن جدعان بن عمرو بن كعب، القرشي التيمي. انظر: تهذيب الكمال ١٥/ ٢٥٦.
(¬٣) أخرجه أحمد في مسنده ١/ ٣٨٦ (٢٨٨)، ومسلم (٩٢٨) (٢٢)، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٧٣، من طريق أيوب، به. وانظر: المسند الجامع ١٣/ ٥١٩ (١٠٤٨٥).