كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)
حديثٌ ثامِنَ عشَرَ لعبدِ اللَّه بن أبي بكرٍ
مالكٌ (¬١)، عن عبدِ اللَّه بن أبي بكرٍ، عن حُميدِ بن نافع، عن زَيْنبَ بنتِ أبي سَلَمةَ، أنَّها أخبَرتهُ هذه الأحاديثَ الثَّلاثةَ، قالت زَيْنبُ: دَخلتُ على أمِّ حَبِيبةَ زَوْج النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حينَ تُوُفِّي أبوها، أبو سُفيانَ بن حربٍ، فدَعَتْ أُمُّ حبيبةَ بطِيبٍ فيه صُفرةٌ خلُوقٌ، أو غيرُهُ، فدهَنَتْ به جاريةً، ثُمَّ مَسَحَتْ بعارِضَيْها، ثُمَّ قالت: واللَّه ما لي بالطِّيبِ من حاجةٍ، غيَر أنِّي سَمِعتُ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوُل: "لا يحِلُّ لامْرأةٍ تُؤمِنُ باللَّه واليوم الآخِرِ، تُحِدُّ على مَيِّتٍ فوقَ ثَلاثِ ليالٍ، إلّا على زَوْج، أربَعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا".
قالت زينبُ: ثُمَّ دَخَلتُ على زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ زَوْج النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حينَ تُوُفِّي أخُوها، فدعَتْ بطيبٍ، فمسَّت منهُ، ثُمَّ قالت: واللَّه ما لي بالطِّيبِ من حاجةٍ، غير أنِّي سَمِعتُ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوُل: "لا يحِلُّ لامْرأةٍ تُؤمِنُ باللَّه، واليوم الآخِرِ، تُحِدُّ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاث إلّا زَوْج، أربَعةَ أشهُرٍ وعشرًا".
قالت زينبُ: وسَمِعتُ أُمِّي أُمَّ سَلَمةَ، زَوْجَ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تقوُل: جاءَتِ امرأةٌ إلى رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالت: يا رسُولَ اللَّه، إنَّ ابْنَتي تُوُفِّي عنها زَوْجُها، وقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنيها، أفتُكحِّلُهُما؟ فقال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا" مرَّتينِ، أو ثلًاثا، كلُّ ذلك يقولُ: "لا". ثُمَّ قال: "إنَّما هي أربَعةُ أشْهُرٍ وعشرًا، وقَدْ كانت إحْداكُنَّ في الجاهِليّةِ تَرْمِي بالبَعْرةِ على رأسِ الحَوْلِ".
قال حُميدُ بن نافع: فقلتُ لزَيْنب: وما تَرْمي بالبَعْرةِ على رأسِ الحولِ؟ فقالت زينبُ: كانتِ المرأةُ إذا تُوُفِّي عنها زَوْجُها، دَخلَتْ حِفشًا (¬٢)، ولَبِسَتْ شرَّ ثيابِها، ولم تَمسَّ طيبًا، ولا شيئًا، حتّى تمُرَّ بها سَنةٌ، ثُمَّ تُؤتى بدابّةٍ: حِمارٍ، أو شاةٍ، أو
---------------
(¬١) الموطأ ٢/ ١١٢ - ١١٣ (١٧٤٧، ١٧٤٨، ١٧٤٩).
(¬٢) يأتي بيانه عند المؤلف بعد قليل.