كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)
ابنُ وَهْبٍ: قيلَ لمالكٍ: فإن مسَّهُ على غِلالةٍ خَفيفةٍ؟ قال: لا وُضُوءَ عليه، ومن لم يتَعمَّد مسَّهُ، فلا وُضُوءَ عليه.
وذكرَ العُتْبيُّ، عن سُحنُون وابنِ القاسم ما قدَّمنا، من سُقُوطِ الوُضُوءِ منهُ.
واختار ابنُ حبيبٍ (¬١) إعادةَ الوُضُوءِ في العَمْدِ وغيرِهِ، لمن لم يُصلِّ، فإن صلَّى أعادَ في الوقتِ على رِوايةِ ابنِ القاسم.
ومالَ البَغداديُّون إلى رِوايةِ ابنِ وَهْب: أنَّ الوُضُوءَ منهُ استِحباب في العَمدِ دُونَ غيرِهِ. قال ابنُ وَهْبٍ: سُئلَ مالكٌ عنِ الوُضُوءِ من مَسِّ الذَّكرِ، فقال: حَسنٌ، وليس بسُنّةٍ، وأحَبُّ إليَّ أن يتوضَّأ من سماع ابنِ وَهْبٍ.
قال أبو عُمر: وأمّا سائرُ من ذكَرْنا من العُلماءِ بالحِجازِ، فإنَّهُم يرونَ منهُ الإعادةَ في الوَقتِ وبعدَهُ، وذهبَتْ إليه (¬٢) طائفةٌ من المالكيِّين، منهُم: أصبغُ بن الفرج، وعيسى بن دينارٍ، واحتجُّوا بأنَّ عبد اللَّه بن عُمرَ أعادَ الصَّلاةَ والوُضُوءَ منهُ للصُّبح بعدَ طُلُوع الشَّمسِ (¬٣). وهذه إعادةٌ بعد خُرُوج الوَقْتِ، وكان إسماعيلُ بن إسحاقَ وسائرُ البَغداديِّين من المالكيِّينَ، يجعلُونَ مسَّ الذَّكرِ من بابِ المُلامسةِ، فيقولُون: إنِ التذَّ الذي يَمسُّ ذكَرهُ، فالوُضُوءُ عليه واجِبٌ، وإن صلَّى دُونَ وُضُوءٍ، فالإعادةُ عليه في الوَقتِ وبعدَهُ، وإن لم يلتذَّ من مَسِّهِ، فلا شيءَ عليه، كالمُلامِسِ للنِّساءِ سَواءٌ في مذهبِهِم (¬٤).
وأمّا الذينَ لم يروا في مسِّ الذَّكرِ وُضُوءًا: فعليُّ بن أبي طالِبٍ، وعمّارُ بن
---------------
(¬١) في ي ١: "سحنون وابن حبيب".
(¬٢) سقطت هذه اللفظة من الأصل.
(¬٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٨٧ (١٠٥).
(¬٤) انظر: الاستذكار ١/ ٢٤٩.