كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)

ذكَرَ عبدُ الرَّزّاقِ، قال: حدَّثنا عُمرُ بن ذرٍّ، قال: سمِعتُ عَطاءَ بن أبي رباح، يقولُ: رأيتُ عائشةَ تَفتِلُ القَلائد للغَنم تُساقُ معَها هَدْيًا (¬١).
ومنها: التَّطوُّعُ بإرسالِ الهَدْيِ إلى الكَعْبةِ، تقرُّبًا إلى اللَّه عزَّ وجلَّ بذلك. وفي ذلك دليلٌ على فضْلِ الهَدْيِ، والضَّحايا.
ومنها: أنَّ تقليدَ الهَدْيِ، لا يُوجِبُ على صاحِبِهِ الإحرام.
وهذا المعنى الذي سِيقَ (¬٢) لهُ الحديثُ، وهُو الحُجّةُ عِند التَّنازُع، وقد تَنازَعَ العُلماءُ، واختَلفُوا في ذلك.
فأمّا مالكٌ، فذكَرَ ابنُ وَهْبٍ، وغيرُهُ عنهُ: أنَّهُ سُئلَ عمّا اختلَفَ النّاسُ فيه من الإحْرام في تَقليدِ الهَدْيِ، مِمَّن لا يُريدُ الحجَّ ولا العُمرةَ؟ فقال: الأمرُ عندَنا الذي نأخُذُ به في ذلك، قولُ عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بعَثَ بهديِهِ، ثُمَّ أقامَ، فلم يَتْرُك شيئًا مما أحلَّ اللَّه لهُ، حتّى نحَرَ الهَدْي (¬٣).
قال مالكٌ: ولا يَنْبغي أن يُقلِّدَ الهَدْي، ولا يُشعَرَ، إلّا عندَ الإهلالِ، إلّا رجُل لا يُريدُ الحجَّ، فيبعثُ بهديِهِ، ويُقيمُ حلالًا في أهلِهِ (¬٤).
وقال الثَّوريُّ: إذا قلَّدَ الهَدْيَ، فقد أحرمَ، إن كان يُريدُ الحجَّ أوِ العُمرةَ، وإن كان لا يُريدُ ذلك، فليَبْعث بهديِهِ، وليُقِمْ حلالًا (¬٥).
---------------
(¬١) أخرجه ابن حزم في المحلى ٧/ ١١١، من طريق عبد الرزاق، به.
(¬٢) في م: "سبق".
(¬٣) انظر: الاستذكار ٤/ ٨١. وانظر فيه أيضا ما بعده.
(¬٤) انظر: التهذيب في اختصار المدونة لابن البراذعي ١/ ٤٩٤، والجامع لمسائل المدونة للصقلي ٤/ ٤٠٦.
(¬٥) انظر: الإشراف لابن المنذر ٣/ ١٨٩.

الصفحة 62