كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)

الدُّعاءِ للدِّينِ والدُّنيا في الوَقْتينِ المذكُورينِ، رجاءَ الإجابَةِ، فإنَّهُ لا يخِيبُ إن شاءَ الله، ولقد أحسنَ عَبِيدُ بن الأبرصِ، حيثُ قال (¬١):
من يسألِ النّاسَ يحرِمُوهُ ... وسائلُ الله لا يخِيبُ
وقدِ احتجَّ بعضُ من خالفَ مذهبَ عبدِ الله بن سَلَام في هذا البابِ، بقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - في الأحادِيثِ المذكُور في هذا البابِ: "وهُو قائمٌ يُصلِّي" قالوا: فقولُهُ: "قائمٌ يُصلِّي (¬٢) " يدفعُ قولَ مَن قال: إنَّها آخِرُ ساعةٍ من النَّهارِ بعدَ العصِر؛ لأنَّها ليَسْت ساعةً يجُوزُ للعبدِ المُسلِم فيها أن يقُومَ فيُصلِّي.
وقد ينفصِلُ من هذا الإدخالِ بوَجْهينِ:
أحدُهُما: أنَّ أبا هريرةَ سلَّم لابنِ سَلام تأوِيلَهُ، ولم يَعْترِضْ عليه بقولِهِ: "قائمٌ"، فإن كان صحِيحًا، فمعناهُ على ما قال بعضُ أهلِ اللُّغةِ: إنَّ "قائمًا" قد يكونُ بمعنى "مُقِيم". قالوا: ومن ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل: عمران: ٧٥] يعني: مُقِيمًا.
والوجهُ الآخرُ: أنَّهُ لو كانَ عِندهُ صحِيحًا في اللَّفظِ والمعنى، لعارَض (¬٣) به ابنَ سلام، واللهُ أعلمُ.
وستأتي قِصَّةُ ابنِ سلام معَ أبي هريرةَ، في بابِ يزِيدَ بن الهادِ، من هذا الكِتابِ إن شاءَ الله.
---------------
(¬١) في ي ١، ت: "يقول"، والبيت من معلّقته المشهورة التي مطلعها: "أقفر من أهله ملحوبُ".
(¬٢) هذه الكلمة لم ترد في ي ١، ت.
(¬٣) في ي ١، ت: "يعارض".

الصفحة 624