كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)
فذهَبَ مالكٌ والشّافِعيُّ وأبو حَنِيفةَ وأصحابُهُ والثَّورِيُّ والأوزاعِيُّ، إلى أنَّ الكلامَ لا يجُوزُ لكلِّ من شهِدَ الخُطبةَ، سمِعَ أو لم يسمع (¬١).
وكان عُثمانُ بن عفّان يقولُ في خُطْبتِهِ: اسْتمِعُوا وأنصِتُوا، فإنَّ للمُسْتمِع الذي لا يَسْمعُ من الأجْرِ، مِثلُ ما للمُستمِع السّامِع (¬٢).
وعن ابنِ عُمر وابنِ عبّاسٍ: أنَّهُما كانا يَكْرهانِ الكلام والصَّلاةَ بعدَ خُرُوج الإمام (¬٣).
ولا مُخالِفَ لهؤُلاءِ من الصَّحابةِ، فسقطَ قولُ الشَّعبيِّ (¬٤) ومن قال بقولِهِ في هذا البابِ.
وكان عُروةُ بن الزُّبيرِ لا يرى بأسًا بالكلام، إذا لم يسمع الخُطبةَ يومَ الجُمُعةِ (¬٥).
وقال أحمدُ بن حنبلٍ: لا بأسَ أن يَقْرأَ، ويذكُرَ اللهَ، من لا يَسْمعُ الخُطبةَ.
وذكرَ عبدُ الرَّزّاقِ (¬٦) عن الثَّورِيِّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيمَ قال: إنِّي لأقرأُ جُزْئي إذا لم أسْمَع الخُطبةَ يومَ الجُمُعةِ.
قال أبو عُمر: هذا يدُلُّ على أَنَّهُ لو سمِعَ الخُطبةَ، لم يقرأ، وهذا أصحُّ عنهُ من الذي تقدَّم، وإذا لم يقرأ، فأحْرَى أن لا يتكلَّم.
---------------
(¬١) انظر: الأوسط لابن المنذر ٤/ ٧٧، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٣٨ - ٣٤٠، وفيهما ما بعده.
(¬٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٦٠ - ١٦١ (٢٧٥).
(¬٣) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٥٢١٨) و (٥٣٤٠).
(¬٤) في الأصل، م: "الشافعي". انظر ما سلف قريبًا.
(¬٥) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٥٣٥٣)، والأوسط لابن المنذر ٤/ ٧٦.
(¬٦) في المصنَّف (٥٣٧٤).