كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)
حديثٌ ثاني خمسين لأبي الزِّنادِ
مالكٌ (¬١)، عن أبي الزِّنادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، أن رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصِّيامُ جُنَّةٌ، فإذا كان أحدُكُم صائمًا، فلا يَرْفُثْ، ولا يَجْهل، فإنِ امرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمهُ، فليَقُل: إنِّي صائمٌ، إنِّي صائمٌ".
أمّا الصِّيامُ في الشَّرِيعةِ، فمَعناهُ: الإمساكُ عن الأكلِ والشُّربِ ووطءِ النِّساءِ نهارًا، إذا كان تارِكُ ذلك يُرِيدُ به (¬٢) وجهَ الله ويَنْوِيهِ، هذا معنى الصِّيام في الشَّرِيعةِ عِندَ جميع عُلماءِ الأُمَّةِ.
وأمّا أصلُهُ في اللُّغةِ، فالإمساكُ مُطلقًا، وكلُّ من أمسَكَ عن شيءٍ، فقد صامَ منه (¬٣)، ويُسمَّى صائمًا، ألا تَرَى إلى قولِ الله عزَّ وجلَّ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: ٢٦]، فسمَّى الإمساكَ عن الكلام صومًا، وكلُّ مُمسِكٍ عن حَرَكةٍ، أو عمل، أو طعام، أو شرابٍ (¬٤)، فهُو صائمٌ في أصلِ اللِّسانِ، لكِنَّ الاسمَ الشَّرعِيَّ ما قدَّمتُ لك، وهُو يَقْضِي في المعنى على الاسم اللُّغوِيِّ.
وقد ذكَرْنا شواهِدَ الشِّعرِ على الاسم اللُّغوِيِّ (¬٥) في الصِّيام، واسْتَوعبنا القولَ في معناهُ، في بابِ ثورِ بن زيدٍ، والحمدُ للّه.
وأمّا قولُهُ: الصِّيامُ جُنَّةٌ، في هذا الحديثِ، فكذلك رواهُ القَعْنبِيُّ، ويحيى، وأبو المُصْعَبٍ (¬٦)، وجماعةٌ، ولم يذكُرِ ابنُ بُكيرٍ في هذا الحديثِ: "الصِّيامُ جنَّةٌ".
---------------
(¬١) الموطأ ١/ ٤١٥ (٨٦٠).
(¬٢) شبه الجملة لم يرد في ت.
(¬٣) في م: "عنه"، والمثبت من الأصل، د ٢.
(¬٤) قوله: "أو شراب" لم يرد في ت.
(¬٥) هذه العبارة من أول الفقرة لم ترد في ت.
(¬٦) الموطأ بروايته ١/ ٣٢٨ - ٣٢٩ (٨٥٣).