كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 11)

وأمّا قولُهُ: "فإنِ امرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتمَهُ، فليَقُل: إنِّي صائمٌ". ففيه قولانِ:
أحدُهُما: أنَّهُ يقولُ للذي يُرِيدُ مُشاتمَتهُ ومُقاتلتَهُ: إنِّي صائمٌ، وصَوْمِي يمنعُني من مُجاوبتِكَ، لأنِّي أصُونُ صَوْمِي عن الخَنا والزُّورِ من القَولِ، فبِهذا أُمِرتُ، ولولا ذلك لانتصرتُ لنفسِي بمِثلِ ما قُلتَ لي سواءً، ونحو ذلك (¬١).
والمعنى حِينئذٍ على هذا التَّأوِيلِ في الحديثِ، أنَّ الصّائمَ نُهِيَ عن مُقاتَلةِ من قاتَلهُ بلسانِهِ (¬٢) ومُشاتمتِهِ، وصَوْنُهُ صومهُ عن ذلك، وبهذا وردَ الحديثُ.
حدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (¬٣): حدَّثنا أحمدُ بن يُونُس، قال: حدَّثنا ابنُ أبي ذِئبٍ، عن المقبُرِيِّ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يَدَع قولَ الزُّورِ والعملَ به، فليسَ لله حاجَةٌ في أن يدَعَ طَعامهُ وشَرابهُ".
وقال أحمدُ بن يُونُس: فَهِمتُ الإسنادَ مِنِ ابنِ أبي ذِئبٍ، وأفْهَمني الحديثَ رجُلٌ إلى جَنْبِهِ، أُراهُ ابنَ أخِيهِ.
ورواهُ ابنُ المُباركِ (¬٤)، عن ابنِ أبي ذِئبٍ، بإسنادِهِ مِثلهُ.
---------------
(¬١) في ت: "هذا".
(¬٢) في الأصل: "عن مقاتلته بلسانه"، والمثبت من د ٢.
(¬٣) في سننه (٢٣٦٢). ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى ٤/ ٢٧٠، والبغوي في شرح السنة (١٧٤٦). وأخرجه البخاري (٦٠٥٧) عن أحمد بن يونس، به. وأخرجه أحمد في مسنده ١٥/ ٥٢١، و ١٦/ ٣٣٢ (٩٨٣٩، ١٠٥٦٢)، والبخاري (١٩٠٣)، والترمذي (٧٠٧)، والبزار في مسنده ١٥/ ١٢٦ (٨٤٢٨)، والنسائي في السنن الكبرى ٣/ ٣٤٧ (٣٢٣٤)، وابن خزيمة (١٩٩٥) من طريق ابن أبي ذئب، به. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ١٥٤ - ١٥٥ (١٣٤٤٦).
(¬٤) في الزهد (١٣٠٧). ومن طريق أخرجه هناد في الزهد (١٢٠٠)، وابن ماجة (١٦٨٩)، والنسائي في السنن الكبرى ٣/ ٣٤٧ (٣٢٣٣)، وابن خزيمة (١٩٩٥)، وابن حبان ٨/ ٢٥٨ (٣٤٨٠).

الصفحة 661