كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

غلب على ظَنّه أَنه عرفه قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ أَصْلَ الثَّلَاثِ فِي الِاسْتِئْذَانِ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات قَالَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي تَفْسِيرِهَا وَإِنَّمَا أَطْبَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرَّاتِ الثَّلَاثِ الْأَوْقَات قلت وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَامْرَأَتَهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ مَرْثَدٍ صَنَعَا طَعَامًا فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَقَالَتْ أَسْمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقْبَحَ هَذَا إِنَّهُ لَيَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا غُلَامُهُمَا وَهُمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ بِغَيْر اذن فَنزلت وَأخرج أَبُو دَاوُد وبن أبي حَاتِم بِسَنَد قوي من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لَهُمْ سُتُورٌ عَلَى أَبْوَابِهِمْ فَرُبَّمَا فَاجَأَ الرَّجُلَ خَادِمُهُ أَوْ وَلَدُهُ وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فَأُمِرُوا أَنْ يَسْتَأْذِنُوا فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ فَاتَّخَذُوا السُّتُورَ وَالْحِجَالَ فَرَأَى النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَفَاهُمُ اللَّهُ بِهِ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ وَمِنْ وَجْهٍ آخر صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَإِنِّي لَآمُرُ جَارِيَتِي أَنْ تَسْتَأْذِنَ عَلَيَّ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ إِذَا سَمِعَ الِاسْتِئْذَانَ أَنْ لَا يَأْذَنَ سَوَاءٌ سَلَّمَ مَرَّةً أَمْ مَرَّتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا إِذَا كَانَ فِي شُغْلٍ لَهُ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ يَتَعَذَّرُ بِتَرْكِ الْإِذْنِ مَعَهُ لِلْمُسْتَأْذِنِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُتَبَحِّرَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَعْلَمُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي وَصْفِهِ بِالْعلمِ والتبحر فِيهِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَفِيهِ أَنَّ لِمَنْ تَحَقَّقَ بَرَاءَةَ الشَّخْصِ مِمَّا يَخْشَى مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَنَالُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أَنْ يُمَازِحَهُ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ إِعْلَامِهِ بِمَا يَطْمَئِنُّ بِهِ خَاطِرُهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا فِي إِدَامَةِ تَأَذِّي الْمُسْلِمِينَ بِالْهَمِّ الَّذِي وَقَعَ لَهُ كَمَا وَقَعَ لِلْأَنْصَارِ مَعَ أَبِي مُوسَى وَأَمَّا إِنْكَارُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ اخْتَارَ الْأُولَى وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ قبل التشاغل بالممازحة

(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ)
يَعْنِي أَوْ يَكْتَفِي بِقَرِينَةِ الطَّلَبِ قَوْلُهُ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُوَ إِذْنُهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَقَالَ شُعْبَةُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَحْفُوظُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ بن أَبِي عَرُوبَةَ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَهُوَ إِذْنُهُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ مِثْلُهُ وَزَادَ إِلَى طَعَامٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي رَافِعٍ كَذَا فِي اللؤْلُؤِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ يُقَالُ لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي رَافِعٍ شَيْئًا كَذَا قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَيَأْتِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا

الصفحة 31