كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

وَمَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ فَلْيَرُدَّ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ مَنْ فَسَّرَ السَّامَ بِالْمَوْتِ فَلَا يُبْعِدْ ثُبُوتَ الْوَاوِ وَمَنْ فَسَّرَهَا بِالسَّآمَةِ فَإِسْقَاطُهَا هُوَ الْوَجْهُ قُلْتُ بَلِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ ثَابِتَةٌ وَهِيَ تُرَجِّحُ التَّفْسِيرَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ الثِّقَةِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءُ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ الْبَاجِيُّ لِأَنَّهُ بَيَّنَ حُكْمَ الرَّدِّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الإبتداء كَذَا قَالَ وَنقل بن الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ لَوِ ابْتَدَأَ شَخْصًا بِالسَّلَامِ وَهُوَ يَظُنّهُ مُسلما فَبَان كَافِرًا كَانَ بن عُمَرَ يَسْتَرِدُّ مِنْهُ سَلَامَهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ حِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ قَصَدَ السَّلَامَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَهُ فَائِدَةَ وَهُوَ إِعْلَامُ الْكَافِرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ قُلْتُ وَيَتَأَكَّدُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُخْشَى إِنْكَارُهُ لِذَلِكَ أَوِ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إِذَا كَانَ الَّذِي سَلَّمَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّدَّ خَاصٌّ بِالْكُفَّارِ فَلَا يُجْزِئُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَقِيلَ إِنْ أَجَابَ بِالْوَاوِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ كَافٍ فِي حُصُولِ مَعْنَى السَّلَامِ لَا فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ فِي قَوْله فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الَّذِي بِغَيْرِ وَاوٍ وَأَمَّا الَّذِي بِالْوَاوِ فَقَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مِنْهَا فِي الطَّبَرَانِيّ عَن بن عَبَّاسٍ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَقَالَ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَلَهُ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ سَلْمَانَ أَتَى رَجُلٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ وَعَلَيْكَ قُلْتُ لَكِنْ لَمَّا اشْتُهِرَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ لِلرَّدِّ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ يَنْبَغِي تَرْكُ جَوَابِ الْمُسْلِمِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي أصل الرَّد وَالله أعلم

الصفحة 46