كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

(قَوْلُهُ بَابٌ فِي الْحَوْضُ)
أَيْ حَوْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعُ الْحَوْضِ حِيَاضٌ وَأَحْوَاضٌ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَاءِ وَإِيرَادُ الْبُخَارِيِّ لِأَحَادِيثِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَبَعْدَ نَصْبِ الصِّرَاطِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْوُرُودَ عَلَى الْحَوْضِ يَكُونُ بَعْدَ نَصْبِ الصِّرَاطِ وَالْمُرُورِ عَلَيْهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي فَقَالَ أَنَا فَاعِلٌ فَقُلْتُ أَيْنَ أَطْلُبُكَ قَالَ اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ قَالَ أَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ قَالَ أَنَا عِنْدَ الْحَوْضِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الْحَوْضِ بَعْدَ الصِّرَاطِ بِمَا سَيَأْتِي فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ جَمَاعَةً يُدْفَعُونَ عَنِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَنْ يَكَادُوا يَرِدُونَ وَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى الْحَوْضِ يَكُونُ قَدْ نَجَا مِنَ النَّارِ فَكَيْفَ يُرَدُّ إِلَيْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ يُقَرَّبُونَ مِنَ الْحَوْضِ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ وَيَرَوْنَ النَّارَ فَيُدْفَعُونَ إِلَى النَّارِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُصُوا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّرَاطِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْقُوتِ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَالْآخَرُ دَاخِلَ الْجَنَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى كَوْثَرًا قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَوْثَرَ نَهَرٌ دَاخِلَ الْجَنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي وَمَاؤُهُ يُصَبُّ فِي الْحَوْضِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَوْضِ كَوْثَرٌ لِكَوْنِهِ يُمَدُّ مِنْهُ فَغَايَةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ قَبْلَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ النَّاسَ يَرِدُونَ الْمَوْقِفَ عَطَاشَى فَيَرِدُ الْمُؤْمِنُونَ الْحَوْضَ وَتَتَسَاقَطُ الْكُفَّارُ فِي النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَقُولَوا رَبَّنَا عَطِشْنَا فَتُرْفَعُ لَهُمْ جَهَنَّمُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ أَلَا تَرِدُونَ فَيَظُنُّونَهَا مَاءً فَيَتَسَاقَطُونَ فِيهَا وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْحَوْضَ يَشْخَبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ لَا لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصِّرَاطَ جِسْرُ جَهَنَّمَ وَأَنَّهُ بَيْنَ الْمَوْقِفِ وَالْجَنَّةِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَلَوْ كَانَ الْحَوْضُ دُونَهُ لَحَالَتِ النَّارُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي يُصَبُّ مِنَ الْكَوْثَرِ فِي الْحَوْضِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَوْضَ بِجَانِبِ الْجَنَّةِ لِيَنْصَبَّ فِيهِ الْمَاءُ مِنَ النَّهر الَّذِي داخلها وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَيُفْتَحُ نَهَرُ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهُ يَقَعُ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ مَنْ لَا يَظْمَأُ أَنْ لَا يُعَذَّبَ بِالنَّارِ وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ التَّعْذِيبُ مِنْهُمْ أَنْ لَا يُعَذَّبَ فِيهَا بِالظَّمَأِ بَلْ بِغَيْرِهِ قُلْتُ وَيَدْفَعُ هَذَا الِاحْتِمَالَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيث أبي بن كَعْب عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ وَمَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ لَمْ يُرْوَ أَبَدًا وَعِنْدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُولِ

الصفحة 466