كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)
جزم بالاربعين كَمَا فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَبَعْضُهُمْ زَادَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ بِضْعًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَدَّدَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْقَاضِي عِيَاض بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَة بن مَسْعُودٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ بَلْ أَطْلَقَ الْأَرْبَعِينَ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعَدَدِ الزَّائِدِ عَلَى أَنَّهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَجِنَّةِ وَهُوَ جَيِّدٌ لَوْ كَانَتْ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ مُخْتَلِفَةً لَكِنَّهَا مُتَّحِدَةٌ وَرَاجِعَةٌ إِلَى أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضْبِطِ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَدْفَعُ الزِّيَادَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي إِحْضَارِ الشَّبَهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ فِيهِ يَبْتَدِئ الْجمع بعد الانتشار وَقد قَالَ بن مَنْدَهْ إِنَّهُ حَدِيثٌ مُتَّصِلٌ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَاخْتِلَافُ الْأَلْفَاظِ بِكَوْنِهِ فِي الْبَطْنِ وَبِكَوْنِهِ فِي الرَّحِمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ لِأَنَّهُ فِي الرَّحِمِ حَقِيقَةً وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ وَقَدْ فَسَّرُوا قَوْله تَعَالَى فِي ظلمات ثَلَاث بِأَنَّ الْمُرَادَ ظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ وَظُلْمَةُ الْبَطْنِ فَالْمَشِيمَةُ فِي الرَّحِمِ وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ قَوْلُهُ ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ تَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مثل ذَلِك وَتَكون هُنَا بِمَعْنَى تَصِيرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ مُدَّةَ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ تَنْقَلِبُ إِلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَصَيُّرَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَيُخَالِطُ الدَّمُ النُّطْفَةَ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى بَعْدَ انْعِقَادِهَا وَامْتِدَادِهَا وَتَجْرِي فِي أَجْزَائِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى تَتَكَامَلَ عَلَقَةً فِي أَثْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ يُخَالِطُهَا اللَّحْمُ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَشْتَدَّ فَتَصِيرَ مُضْغَةً وَلَا تُسَمَّى عَلَقَةً قَبْلَ ذَلِكَ مَا دَامَتْ نُطْفَةً وَكَذَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زَمَانِ الْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَفَعَهُ إِنَّ النُّطْفَةَ تَكُونُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى حَالِهَا لَا تَتَغَيَّرُ فَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا حُمِلَ نَفْيُ التَّغَيُّرِ عَلَى تَمَامِهِ أَيْ لَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَصْفِ الْعَلَقَةِ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَنْفِي أَنَّ الْمَنِيَّ يَسْتَحِيلُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى دَمًا إِلَى أَنْ يَصِيرَ عَلَقَةً انْتَهَى وَقَدْ نَقَلَ الْفَاضِلُ عَلِيُّ بْنُ الْمُهَذَّبِ الْحَمَوِيُّ الطَّبِيبُ اتِّفَاقَ الْأَطِبَّاءِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ يَكُونُ فِي نَحْوِ الْأَرْبَعِينَ وَفِيهَا تَتَمَيَّزُ أَعْضَاءُ الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى لِحَرَارَةِ مِزَاجِهِ وَقُوَاهُ وَأَعْبَدُ إِلَى قِوَامِ الْمَنِيِّ الَّذِي تَتَكَوَّنُ أَعْضَاؤُهُ مِنْهُ وَنُضْجُهُ فَيَكُونُ أَقْبَلَ لِلشَّكْلِ وَالتَّصْوِيرِ ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ وَالْعَلَقَةُ قِطْعَةُ دَمٍ جَامِدٍ قَالُوا وَتَكُونُ حَرَكَةُ الْجَنِينِ فِي ضِعْفِ الْمُدَّةِ الَّتِي يُخْلَقُ فِيهَا ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلُ ذَلِكَ أَيْ لَحْمَةً صَغِيرَةً وَهِيَ الْأَرْبَعُونَ الثَّالِثَةُ فَتَتَحَرَّكُ قَالَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ شمس الدّين بن الْقيم ان دَاخل الرَّحِم خشن كالسفنج وَجُعِلَ فِيهِ قَبُولًا لِلْمَنِيِّ كَطَلَبِ الْأَرْضِ الْعَطْشَى لِلْمَاءِ فَجَعَلَهُ طَالِبًا مُشْتَاقًا إِلَيْهِ بِالطَّبْعِ فَلِذَلِكَ يُمْسِكُهُ وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَلَا يَزْلِقُهُ بَلْ يَنْضَمُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُفْسِدَهُ الْهَوَاءُ فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِمَلَكِ الرَّحِمِ فِي عَقْدِهِ وَطَبْخِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ قَالُوا إِنَّ الْمَنِيَّ إِذَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الرَّحِمُ وَلَمْ يَقْذِفْهُ اسْتَدَارَ عَلَى نَفْسِهِ وَاشْتَدَّ إِلَى تَمَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَيَنْقُطُ فِيهِ ثَلَاثَ نُقَطٍ فِي مَوَاضِعِ الْقَلْبِ وَالدِّمَاغِ وَالْكَبِدِ ثُمَّ يَظْهَرُ فِيمَا بَيْنَ تِلْكَ النُّقَطِ خُطُوطٌ خَمْسَةٌ إِلَى تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ تَنْفُذُ الدَّمَوِيَّةُ فِيهِ إِلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَتَمَيَّزُ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ تَمْتَدُّ رُطُوبَةُ النُّخَاعِ إِلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ يَنْفَصِلُ الرَّأْسُ عَنِ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْأَطْرَافُ عَنِ الضُّلُوعِ وَالْبَطْنُ عَنِ الْجَنِينِ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتِمُّ هَذَا التَّمْيِيزُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلْحِسِّ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَيُكْمِلُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِيهِ تَفْصِيلُ مَا أُجْمِلَ فِيهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ تَكُونُ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَلَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ قِطْعَةَ دَمٍ لَكِنَّهَا فِي هَذِهِ
الصفحة 481