كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)
ذِكْرِ الْمُضْغَةِ ثُمَّ تَكُونُ عِظَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكْسُو اللَّهُ الْعِظَامَ لَحْمًا وَقَدْ رَتَّبَ الْأَطْوَارَ فِي الْآيَةِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الطَّوْرَيْنِ طَوْرٌ آخَرُ وَرَتَّبَهَا فِي الحَدِيث بثم إِشَارَةً إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي تَتَخَلَّلُ بَيْنَ الطَّوْرَيْنِ ليتكامل فِيهَا الطّور وانما اتى بثم بَيْنَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ لِأَنَّ النُّطْفَةَ قَدْ لَا تتكون انسانا واتى بثم فِي آخِرِ الْآيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا اخر لِيَدُلَّ عَلَى مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ من بطن أمه وَأما الْإِتْيَان بثم فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ بَيْنَ السُّلَالَةِ وَالنُّطْفَةِ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَخَلْقِ وَلَده وَوَقع فِي حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا ظَاهره يُخَالف حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي نُسْخَة اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعَظْمَهَا ثُمَّ قَالَ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ الْحَدِيثَ هَذِهِ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فِي مُسْلِمٍ وَنَسَبَهَا عِيَاضٌ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ شَرْحِ هَذَا الحَدِيث إِلَى رِوَايَة بن مَسْعُودٍ وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا لِابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَوَّلِ الرِّوَايَةِ ذِكْرٌ فِي قَوْلِهِ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ فَقَطْ وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا وَقَعَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قَالَ فَيَجِيءُ مَلَكُ الرَّحِمِ فَيَدْخُلُ فَيُصَوِّرُ لَهُ عَظْمَهُ وَلَحْمَهُ وَشَعْرَهُ وَبَشَرَهُ وَسَمْعَهُ وَبَصَرَهُ ثُمَّ يَقُولُ أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَمْلُ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّصْوِيرَ بِأَثَرِ النُّطْفَةِ وَأَوَّلِ الْعَلَقَةِ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَلَا مَعْهُودٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّصْوِيرُ فِي آخِرِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا الْآيَةَ قَالَ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَصَوَّرَهَا إِلَخْ أَيْ كَتَبَ ذَلِكَ ثُمَّ يَفْعَلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى قَالَ وَخَلْقُهُ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْأُنُوثِيَّةَ يَقَعُ فِي وَقْتٍ مُتَّفَقٍ وَهُوَ مُشَاهَدٌ فِيمَا يُوجَدُ مِنْ أَجِنَّةِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْخِلْقَةُ وَاسْتِوَاءُ الصُّورَةِ ثُمَّ يَكُونُ لِلْمَلَكِ فِيهِ تَصَوُّرٌ آخَرُ وَهُوَ وَقْتُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ حِينَ يَكْمُلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعَة اشهر انْتهى مُلَخصا وَقد بَسطه بن الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ مَا مُلَخَّصُهُ أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْهُ وَإِمَّا لكَونه لم يره ملتئما مَعَ حَدِيث بن مَسْعُود وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَأَخْرَجَهُمَا مَعًا فَاحْتَجْنَا إِلَى وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ إِرْسَالُ الْمَلَكِ عَلَى التَّعَدُّدِ فَمَرَّةً فِي ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَأُخْرَى فِي انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ لِنَفْخِ الرُّوحِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ فَصَوَّرَهَا فان ظَاهر حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَنَّ التَّصْوِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ مُضْغَةً فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُصَوِّرُهَا لَفْظًا وَكَتْبًا لَا فِعْلًا أَيْ يَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ تَصْوِيرِهَا وَيَكْتُبُهَا بِدَلِيلِ أَنَّ جَعْلَهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُضْغَةِ قُلْتُ وَقَدْ نُوزِعَ فِي أَنَّ التَّصْوِيرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ بِأَنَّهُ شُوهِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَجِنَّةِ التَّصْوِيرُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَتَمْيِيزُ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى فَعَلَى هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ أَوَّلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمَلَكَ تَصْوِيرُ ذَلِكَ لَفْظًا وَكَتْبًا ثُمَّ يَشْرَعُ فِيهِ فِعْلًا عِنْدَ اسْتِكْمَالِ الْعَلَقَةِ فَفِي بَعْضِ الْأَجِنَّةِ يَتَقَدَّمُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِهَا يَتَأَخَّرُ وَلَكِنْ بَقِيَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ الْعَظْمَ وَاللَّحْمَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ أَرْبَعِينَ الْعَلَقَةِ فَيَقْوَى مَا قَالَ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ قُلْتُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى يَقْسِمُ النُّطْفَةَ إِذَا صَارَتْ عَلَقَةً إِلَى
الصفحة 484