كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

هَذَا أَنَّ الْجَمِيعَ مَرْفُوعٌ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَحِينَئِذٍ تُحْمَلُ رِوَايَةُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لِتَحَقُّقِ الْخَبَرِ فِي نَفْسِهِ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْإِدْرَاجُ فِي الْقَسَمِ لَا فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهَذَا غَايَةُ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَيُؤَيِّدُ الرَّفْعَ أَيْضًا أَنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ التَّأْكِيدِ بِالْقَسَمِ وَوَصْفِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَبِأَنَّ وَبِاللَّامِ وَالْأَصْلُ فِي التَّأْكِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ لِمُخَاطَبَةِ الْمُنْكِرِ أَوِ الْمُسْتَبْعِدِ أَوْ مَنْ يُتَوَهَّمُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُنَا لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُسْتَبْعَدًا وَهُوَ دُخُولُ مَنْ عَمِلَ الطَّاعَةَ طُولَ عُمُرِهِ النَّارَ وَبِالْعَكْسِ حَسُنَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَأْكِيدِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ بِغَيْرِ شَكٍّ وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْجَنَّةِ عَلَى النَّارِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ كَذَا عِنْدَ مُسلم وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةِ حَفْصٍ فَإِنَّ الرَّجُلَ وَأَخَّرَ ذِكْرَ النَّارِ وَعَكَسَ أَبُو الْأَحْوَصِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ قَوْلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالْأَصْلُ يَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَمَلَ إِمَّا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَإِمَّا مَفْعُولٌ بِهِ وَكِلَاهُمَا مُسْتَغْنٍ عَنِ الْحَرْفِ فَكَانَ زِيَادَةُ الْبَاءِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ ضُمِّنَ يَعْمَلُ مَعْنَى يَتَلَبَّسُ فِي عَمَلِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِذَلِكَ حَقِيقَةً وَيُخْتَمُ لَهُ بِعَكْسِهِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ سَهْلٍ بِلَفْظِ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُنَافِقِ وَالْمُرَائِي بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ قَوْلُهُ غَيْرَ ذِرَاعٍ أَوْ بَاعٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ غَيْرَ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ إِلَّا ذِرَاعٌ وَلَمْ يَشُكَّ وَقَدْ عَلَّقَهَا الْمُصَنِّفُ لِآدَمَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَصَلَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ فِي التَّوْحِيدِ عَنْهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ وَالتَّعْبِيرُ بِالذِّرَاعِ تَمْثِيلٌ بِقُرْبِ حَالِهِ مِنَ الْمَوْتِ فَيُحَالُ مِنْ بَيْنِهِ وَبَيْنَ الْمَكَانِ الْمَقْصُودِ بِمِقْدَارِ ذِرَاعٍ أَوْ بَاعٍ مِنَ الْمَسَافَةِ وَضَابِطُ ذَلِكَ الْحِسِّيِّ الْغَرْغَرَةُ الَّتِي جُعِلَتْ عَلَامَةً لِعَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الْخَيْرِ صِرْفًا وَأَهْلُ الشَّرِّ صِرْفًا إِلَى الْمَوْتِ وَلَا ذِكْرَ لِلَّذِينَ خَلَطُوا وَمَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْحَدِيثِ تَعْمِيمَ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْخَاتِمَةِ قَوْلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْنِي مِنَ الطَّاعَاتِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَفَظَةَ تَكْتُبُ ذَلِكَ وَيُقْبَلُ بَعْضُهَا وَيُرَدُّ بَعْضُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَقَعَ الْكِتَابَةُ ثُمَّ تُمْحَى وَأَمَّا الْقَبُولُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْخَاتِمَةِ قَوْلُهُ حَتَّى مَا يَكُونَ قَالَ الطَّيِّبِيّ حَتَّى هُنَا الناصبة وَمَا نَافِيَةٌ وَلَمْ تَكُفَّ يَكُونُ عَنِ الْعَمَلِ فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِحَتَّى وَأَجَازَ غَيْرُهُ أَنْ تَكُونَ حَتَّى ابْتِدَائِيَّةً فَتَكُونُ عَلَى هَذَا بِالرَّفْعِ وَهُوَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا قَوْلُهُ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ كِتَابُهُ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَيَسْبِقُ إِشَارَةً إِلَى تَعْقِيبِ ذَلِكَ بِلَا مُهْلَةٍ وَضُمِّنَ يَسْبِقُ مَعْنَى يَغْلِبُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْ يَسْبِقُ الْمَكْتُوبُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ثُمَّ يُدْرِكُهُ الشَّقَاءُ وَقَالَ ثُمَّ تُدْرِكُهُ السَّعَادَة وَالْمرَاد يسْبق الْكِتَابِ سَبْقُ مَا تَضَمَّنَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَوِ الْمُرَادُ الْمَكْتُوبُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَتَعَارَضُ عَمَلُهُ فِي اقْتِضَاءِ السَّعَادَةِ وَالْمَكْتُوبُ فِي اقْتِضَاءِ الشَّقَاوَةِ فَيَتَحَقَّقُ مُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالسَّبْقِ لِأَنَّ السَّابِقَ يَحْصُلُ مُرَادُهُ دُونَ الْمَسْبُوقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَمَثَّلَ الْعَمَلُ وَالْكِتَابُ شَخْصَيْنِ سَاعِيَيْنِ لَظَفِرَ شَخْصُ الْكِتَابِ وَغَلَبَ شَخْصَ الْعَمَلِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبْعِينَ سَنَةً وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْجَبُوا بِعَمَلِ أَحَدٍ حَتَّى تَنْظُرُوا بِمَ يُخْتَمُ لَهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ يَعْمَلُ زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ لَوْ مَاتَ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ فَيعْمل عملا

الصفحة 487