كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)
أَوْ مَنْ شَاهَدَهُ فَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالْعَمَلِ قَوْلُهُ فَلم يعْمل الْعَامِلُونَ فِي رِوَايَة حَمَّادٍ فَفِيمَ وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَالْمَعْنَى إِذَا سَبَقَ الْقَلَمُ بِذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ الْعَامِلُ إِلَى الْعَمَلِ لِأَنَّهُ سَيَصِيرُ إِلَى مَا قُدِّرَ لَهُ قَوْلُهُ قَالَ كُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَوْ لِمَا يُيَسَّرُ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يُسِّرَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا قَالَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ يَزِيدُونَ عَلَى الْعَشَرَةِ سَأُشِيرُ إِلَيْهَا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِي الَّذِي يَلِيهِ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ كُلُّ امْرِئٍ مُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَآلَ مَحْجُوبٌ عَنِ الْمُكَلَّفِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي عَمَلِ مَا أُمِرَ بِهِ فَإِن عمله امارة إِلَى مَا يؤل إِلَيْهِ أَمْرُهُ غَالِبًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ يُخْتَمُ لَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ وَيُجَاهِدَ نَفْسَهُ فِي عَمَلِ الطَّاعَةِ لَا يَتْرُكَ وُكُولًا إِلَى مَا يؤل إِلَيْهِ أَمْرُهُ فَيُلَامَ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَيَسْتَحِقَّ الْعقُوبَة وَقد ترْجم بن حِبَّانَ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ مِنَ التَّشْمِيرِ فِي الطَّاعَاتِ وَإِنْ جَرَى قَبْلَهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عِمْرَانَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَا بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَفْسٍ وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها وَفِيهِ قِصَّةٌ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ مَعَ عِمْرَانَ وَفِيهِ قَوْلُهُ لَهُ أَيَكُونُ ذَلِكَ ظُلْمًا فَقَالَ لَا كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يَدِهِ فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ قَالَ عِيَاضٌ أَوْرَدَ عِمْرَانُ عَلَى أَبِي الْأَسْوَدِ شُبْهَةَ الْقَدَرِيَّةِ مِنْ تَحَكُّمِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَدُخُولِهِمْ بِآرَائِهِمْ فِي حُكْمِهِ فَلَمَّا أَجَابَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى ثَبَاتِهِ فِي الدِّينِ قَوَّاهُ بِذِكْرِ الْآيَةِ وَهِيَ حَدٌّ لِأَهْلِ السّنة وَقَوله كل شَيْء خَلْقُ اللَّهِ وَمُلْكُهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمَالِكَ الْأَعْلَى الْخَالِقُ الْآمِرُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ إِذَا تَصَرَّفَ فِي مُلْكِهِ بِمَا يَشَاءُ وَإِنَّمَا يُعْتَرَضُ على الْمَخْلُوق الْمَأْمُور
(قَوْلُهُ بَابُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ)
الضَّمِيرُ لِأَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السُّؤَال وَذكره من حَدِيث
الصفحة 493