كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

قَطَعَ بِذَلِكَ الْوَاحِدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي التَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُعَدَّ سَلَامًا وَلَا يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لِمَا رُوِينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ وَغَيْرِهِمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ مُصَغَّرٌ الْهُجَيْمِيِّ بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا قَالَ أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَرَدَ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يُكْرَهُ لِلْمُبْتَدِئِ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُخْتَارُ لَا يُكْرَهُ وَيَجِبُ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ سَلَامٌ قُلْتُ وَقَوْلُهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ طُرُقًا إِلَى الصَّحَابِيِّ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ أَبِي جُرَيٍّ وَمَعَ ذَلِكَ فَمَدَارُهُ عِنْدَ جَمِيعِ مَنْ أَخْرَجَهُ عَلَى أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ رَاوِيَةً عَنْ أَبِي جُرَيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَدِ اعْتَرَضَ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقِيعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قُلْتُ كَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا أَتَى الْبَقِيعَ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْحَدِيثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسُ بْنَ عَاصِمٍ قُلْتُ لَيْسَ هَذَا مِنْ شِعْرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَرْثِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ لِمُسْلِمٍ مَعْرُوفٍ قَالَهَا لَمَّا مَاتَ قيس وَمثله مَا أخرج بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْجِنَّ رَثَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِأَبْيَاتٍ مِنْهَا عَلَيْكَ السَّلَامُ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ يَدُ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْأَدِيمِ الْمُمَزَّقِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْبَقِيعِ لَا يُعَارِضُ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحْيَاهُمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَامَ الْأَحْيَاءِ كَذَا قَالَ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مَخْصُوصًا بِمَنْ يَرَى أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَوْتَى وَبِمَنْ يَتَطَيَّرُ بِهَا مِنَ الْأَحْيَاءِ فَإِنَّهَا كَانَتْ عَادَةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِخِلَاف ذَلِك قَالَ عِيَاض وَتَبعهُ بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ فَنَقَّحَ كَلَامَهُ فَقَالَ كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ فِي الِابْتِدَاءِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي جُرَيٍّ وَصَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى طَائِفَةٍ وَظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ لَا عَنِ الشَّرْعِ أَيْ أَنَّ الشُّعَرَاءَ وَنَحْوَهُمْ يُحَيُّونَ الْمَوْتَى بِهِ وَاسْتَشْهَدَ بِالْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ مَا فِيهِ قَالَ فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَيِّيَ بِتَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ وَقَالَ عِيَاضٌ أَيْضًا كَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي تَحِيَّةِ الْمَوْتَى تَأْخِيرَ الِاسْمِ كَقَوْلِهِمْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ عِنْدَ الذَّمِّ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْم الدّين وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّصَّ فِي الْمُلَاعَنَةِ وَرَدَ بِتَقْدِيمِ اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ عَلَى الِاسْمِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عَائِشَةَ لِمَنْ زَارَ الْمَقْبُرَةَ فَسَلَّمَ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بِهَا وَحَدِيثُ أَبِي جُرَيٍّ إِثْبَاتًا وَنَفْيًا فِي السَّلَامِ عَلَى الشَّخْصِ الْوَاحِد وَنقل بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُبْتَدِئَ لَوْ قَالَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا صِيغَةُ جَوَابٍ قَالَ وَالْأَوْلَى الْإِجْزَاءُ لِحُصُولِ مُسَمَّى السَّلَامِ وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْوِي بِإِحْدَى التَّسْلِيمَتَيْنِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ حَضَرَ وَهِيَ بِصِيغَةِ الِابْتِدَاءِ ثُمَّ حَكَى عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَعَكْسِهِ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ رَدَّ فَقَالَ عَلَيْكَ السَّلَامُ

الصفحة 5