كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِفْظُهُمْ مِنَ النَّقَائِصِ وَتَخْصِيصُهُمْ بِالْكِمَالَاتِ النَّفِيسَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالثَّبَاتِ فِي الْأُمُورِ وَإِنْزَالِ السَّكِينَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ أَنَّ الْعِصْمَةَ فِي حَقِّهِمْ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ بِطَرِيقِ الْجَوَازِ قَوْلُهُ عَاصِمٌ مَانِعٌ يُرِيدُ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ نُوحٍ وَابْنِهِ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رحم وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ عِكْرِمَةُ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْهُ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْمَعْنى بقوله لَا عَاصِم الْيَوْم أَيْ لَا شَيْءَ يَعْصِمُ مِنْهُ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْصُومٍ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْعَاصِمَ بِمَعْنَى الْمَعْصُومِ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَأَيُّهُمَا حَصَلَ حَصَلَ الْآخَرُ قَوْلُهُ قَالَ مُجَاهِدٌ سَدًّا عَنِ الْحَقِّ يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ سَدًّا بتَشْديد الدَّال بعْدهَا الف وَصله بن أبي حَاتِم من طَرِيق وَرْقَاء عَن بن نَجِيحٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَعَلْنَا مِنْ بَين أَيْديهم سدا قَالَ عَنِ الْحَقِّ وَوَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ شِبْلٍ عَنِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ سَدًّا قَالَ عَنِ الْحَقِّ وَقَدْ يَتَرَدَّدُونَ وَرَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ سُدًى بِتَخْفِيفِ الدَّالِ مَقْصُورَةً وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْكَرْمَانِيِّ فَزَعَمَ أَنَّهُ وَقَعَ هُنَا ايحسب الْإِنْسَان ان يتْرك سدى أَيْ مُهْمَلًا مُتَرَدِّدًا فِي الضَّلَالَةِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ إِلَّا اللَّفْظَ الَّذِي أَوْرَدْتُهُ قَالَ مُجَاهِدٌ سَدًّا إِلَخْ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّفَاسِيرِ الَّتِي تُسَاقُ بِالْأَسَانِيدِ لِمُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يتْرك سدى كَلَامًا وَلَمْ أَرَ قَوْلَهُ فِي الضَّلَالَةِ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّقُولِ بِالسَّنَدِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ لِضَلَالَةٍ بَدَلَ قَوْلِهِ فِي الضَّلَالَةِ قَوْلُهُ دَسَّاهَا أَغْوَاهَا قَالَ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَقد خَابَ من دساها قَالَ مَنْ أَغْوَاهَا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ دَسَّاهَا قَالَ قَالَ أَحَدُهُمَا أَغْوَاهَا وَقَالَ الْآخَرُ أَضَلَّهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ دَسَّاهَا أَصْلُهُ دَسَسْتُ لَكِنَّ الْعَرَبَ تَقْلِبُ الْحَرْفَ الْمُضَاعَفَ إِلَى الْيَاءِ مِثْلَ تَظَنَّنَتْ مِنَ الظَّنِّ فَتَقُولُ تَظَنَّيْتُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَ النُّونِ وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّفْسِيرِ لِلتَّرْجَمَةِ تُؤْخَذُ مِنَ الْمُرَادِ بِفَاعِلِ دَسَّاهَا فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ اللَّهُ أَيْ قَدْ أَفْلَحَ صَاحِبُ النَّفْسِ الَّتِي زَكَّاهَا اللَّهُ وَخَابَ صَاحِبُ النَّفْسِ الَّتِي أَغْوَاهَا اللَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ صَاحِبُ النَّفْسِ إِذَا فَعَلَ الطَّاعَاتِ فَقَدْ زَكَّاهَا وَإِذَا فَعَلَ الْمَعَاصِيَ فَقَدْ أَغْوَاهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلتَّرْجَمَةِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ التَّفْسِيرَيْنِ لِلتَّرْجَمَةِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْصِمْهُ اللَّهُ كَانَ سُدًى وَكَانَ مُغْوًى ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَا اسْتُخْلِفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْبِطَانَةُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ وَالْمُرَادُ مَنْ يَطَّلِعُ عَلَى بَاطِنِ حَالِ الْكَبِيرِ مِنْ اتِّبَاعه

الصفحة 502