كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

(قَوْلُهُ بَابُ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيِ الَّتِي كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْقَسَمِ بِهَا أَوْ يُكْثِرُ وَجُمْلَةُ مَا ذُكِرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ أَحَدُهَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَكَذَا نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ فَبَعْضُهَا مُصَدَّرٌ بِلَفْظِ لَا وَبَعْضُهَا بِلَفْظِ أَمَا وَبَعْضُهَا بِلَفْظِ ايْمُ ثَانِيهَا لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ ثَالِثُهَا وَاللَّهِ رَابِعُهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَاهَا اللَّهِ إِذًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّتُهُ مِنْ تَقْرِيرِهِ لَا مِنْ لَفْظِهِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُهَا وُرُودًا وَفِي سِيَاقِ الثَّانِي إِشْعَارٌ بِكَثْرَتِهِ أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث رِفَاعَة بن عرابة عِنْد بن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَلَفَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ شُمَيْخٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اجْتَهَدَ فِي الْيَمِينِ قَالَ لَا وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا أَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدَلَّ مَا سِوَى الثَّالِثِ مِنَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يُرَادُ بِهِ اخْتِصَاصُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ بِذَلِكَ بَلْ يَتَنَاوَلُ كُلَّ اسْمٍ وَصِفَةٍ تَخْتَصُّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ جَزَمَ بن حَزْمٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَا الصِّفَاتِ صَرِيحٌ فِي الْيَمِينِ تَنْعَقِدُ بِهِ وَتَجِبُ لِمُخَالِفَتِهِ الْكَفَّارَةَ وَهُوَ وَجْهٌ غَرِيبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَهُمْ وَجْهٌ أَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَرِيحٌ إِلَّا لَفْظَ الْجَلَالَةِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّهُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالرَّحْمَنِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَخَالِقِ الْخَلْقِ فَهُوَ صَرِيحٌ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ سَوَاءً قَصَدَ اللَّهَ أَوْ أَطْلَقَ ثَانِيهَا مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ لِغَيْرِهِ لَكِنْ بِقَيْدٍ كَالرَّبِّ وَالْحَقِّ فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إِلَّا إِنْ قَصَدَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ ثَالِثُهَا مَا يُطْلَقُ عَلَى السَّوَاءِ كَالْحَيِّ وَالْمَوْجُودِ وَالْمُؤْمِنِ فَإِنْ نَوَى غَيْرَ اللَّهِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ وَإِنْ نَوَى بِهِ اللَّهَ انْعَقَدَ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمِثْلُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلَّهِ جَزْمًا فَإِنْ نَوَى بِهِ غَيْرَهُ كَمَلَكِ الْمَوْتِ مَثَلًا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الصَّرَاحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَيُلْتَحَقُ بِهِ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَأَمَّا مِثْلُ وَالَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ أَوْ أُصَلِّي لَهُ فَصَرِيحٌ جَزْمًا وَجُمْلَةُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ عِشْرُونَ حَدِيثًا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قَوْله وَقَالَ سعد هُوَ بن أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْده نسْوَة الحَدِيث وَفِيه أَيهَا يَا بن الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فجك وَقد مضى شَرحه مُسْتَوفى هُنَاكَ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاهَا اللَّهِ إِذًا وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مَوْصُولٍ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ هُنَاكَ قَوْلُهُ يُقَالُ وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَفِي الْقُرْآنِ الْقَسَمُ بِالْوَاوِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ فِي عِدَّةِ أَشْيَاءَ وَبِالْمُثَنَّاةِ فِي قَوْلِهِ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ الله علينا وتالله لأكيدن اصنامكم وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَنُقِلَ قَوْلٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَسَمَ بِالْمُثَنَّاةِ لَيْسَ صَرِيحًا لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهَا وَالْأَيْمَانُ مُخْتَصَّةٌ بِالْعُرْفِ وَتَأَوَّلَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ نَعَمْ تَفْتَرِقُ الثَّلَاثَةُ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ يَدْخُلَانِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَائِهِ وَلَا تَدْخُلُ الْمُثَنَّاةُ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِإِيرَادِ هَذَا الْكَلَامِ هُنَا عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِلَى أَنَّ أَصْلَ لَاهَا اللَّهِ لَا وَاللَّهِ فَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقِيلَ الْهَاءُ نَفْسُهَا أَيْضًا حَرْفُ قَسَمٍ بِالْأَصَالَةِ وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ أَصْلَ أَحْرُفِ الْقَسَمِ الْوَاوُ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةُ ثُمَّ الْمُثَنَّاة وَنقل بن الصَّبَّاغِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُوَحَّدَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَأَنَّ الْوَاوَ بَدَلٌ مِنْهَا وَأَنَّ الْمُثَنَّاةَ بدل

الصفحة 526