كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 11)

يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي هُوَ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الطَّوِيلِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ بَابِ الْمُعَانَقَةِ

[6263] قَوْلُهُ عَنْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ قَتَادَةُ وَكَانَ الْحَسَنُ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ يُصَافِحُ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حسن قَالَ بن بَطَّالٍ الْمُصَافَحَةُ حَسَنَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَدِ اسْتَحَبَّهَا مَالِكٌ بَعْدَ كَرَاهَتِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّلَاقِي وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبَرَاءِ رَفَعَهُ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهما قبل أَن يَتَفَرَّقَا وَزَاد فِيهِ بن السُّنِّيِّ وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَحَمِدَا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَاهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الرُّويَانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْبَرَاءِ لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَافَحَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ هَذَا مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ فَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُصَافَحَةِ فَذَكَرَ نَحْوَ سِيَاقِ الْخَبَرِ الأول وَفِي مُرْسل عَطاء الخرساني فِي الْمُوَطَّأِ تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ وَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مَوْصُولا وَاقْتصر بن عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى شَوَاهِدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَغَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمُصَافَحَةِ بِمَا بعد صَلَاتي الصُّبْح وَالْعصر فقد مثل بن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد الْبِدْعَة الْمُبَاحَة بهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَصْلُ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ حَافَظُوا عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ عَن أصل السّنة قلت وللنظر فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ أَصْلَ صَلَاةِ النَّافِلَةِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدَ كَرِهَ الْمُحَقِّقُونَ تَخْصِيصَ وَقْتٍ بِهَا دُونَ وَقْتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ تَحْرِيمَ مِثْلِ ذَلِكَ كَصَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ بِالْمُصَافَحَةِ الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْأَمْرَدُ الْحَسَنُ

[6264] قَوْلُهُ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْوَاوِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرهَا هَاء تَأْنِيث هُوَ بن شُرَيْحٍ الْمِصْرِيُّ قَوْلُهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بن هِشَام أَي بن زُهْرَةَ بْنِ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ مُرَّةَ قَوْلُهُ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخُذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَذَا اخْتَصَرَهُ وَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَاقَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ وَأَغْفَلَ الْمِزِّيُّ ذِكْرَهُ هُنَا وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ أَيْضًا وَذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ رِشْدِينَ بن سعد وبن لَهِيعَةَ جَمِيعًا عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ بِتَمَامِهِ وأسقطه من كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور وبن لَهِيعَةَ وَرِشْدِينُ لَيْسَا مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يَقع لأبي نعيم أَيْضا من طَرِيق بن وَهْبٍ عَنْ حَيْوَةَ فَأَخْرَجَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَ الْقَدْرَ الْمُخْتَصَرَ هُنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زُرْعَةَ وَهْبِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَوَهْبُ اللَّهِ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ وَوَجْهُ إِدْخَالِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُصَافَحَةِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْيَدِ يَسْتَلْزِمُ الْتِقَاءَ صَفْحَةِ الْيَدِ بِصَفْحَةِ الْيَدِ غَالِبًا وَمِنْ ثَمَّ أَفْرَدَهَا بِتَرْجَمَةٍ تَلِي هَذِهِ لِجَوَازِ وُقُوعِ الْأَخْذِ بِالْيَدِ مِنْ غير حُصُول المصافحة قَالَ بن عبد الْبر روى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُصَافَحَةَ وَالْمُعَانَقَةَ وَذَهَبَ إِلَى هَذَا سَحْنُونٌ وَجَمَاعَةٌ وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ الْمُصَافَحَةِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَلَى جَوَازِهِ جَمَاعَةُ الْعلمَاء سلفا وخلفا وَالله أعلم

الصفحة 55