كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 11)

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْخَ وَاقِعٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَبَدُّلِ أَخْلَاقِهِمْ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالسِّيَاقِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَزِّ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ وَلَا النِّمَارَ رَوَاهُ أَبُو داود ورجال إسناده ثقات
وروى بن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْمَلَاهِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله قَالَ بَلَى وَيَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ قَالُوا فَمَا بَالُهُمْ قَالَ اتَّخَذُوا الْمَعَازِفَ وَالدُّفُوفَ وَالْقَيْنَاتَ فَبَاتُوا عَلَى شُرْبِهِمْ وَلَهْوِهِمْ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَلَيَمُرَّنَّ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ فِي حَانُوتِهِ يَبِيعُ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ وَقَدْ مُسِخَ قِرْدًا أَوْ خِنْزِيرًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْشِيَ الرَّجُلَانِ فِي الْأَمْرِ فَيُمْسَخُ أَحَدُهُمَا قِرْدًا أَوْ خِنْزِيرًا وَلَا يَمْنَعُ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا مَا رَأَى بِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَى شَأْنِهِ حَتَّى يَقْضِيَ شَهْوَتَهُ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَعِشْرُونَ نَفْسًا إِلَخْ) لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَكَذَا لَيْسَتْ فِي أَطْرَافِ الْمِزِّيِّ وَكَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُنْذِرِيِّ وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ السُّنَنِ
قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ وَقَدْ صَحَّ لُبْسُهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ لَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا وَالْحُجَّةُ إِنَّمَا هِيَ فِي إِجْمَاعِهِمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ وَذَكَرَ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْمَسْخِ إِلَى الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ ثَبَتَ لُبْسُ الْخَزِّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَبِسَهُ عِشْرُونَ نَفْسًا مِنَ الصحابة وأكثر
وأورده بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَمْعٍ مِنْهُمْ وَعَنْ طَائِفَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ
وَأَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الدَّشْتَكِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ وَهُوَ يَقُولُ كَسَانِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَخْرَجَ بن أَبِي شَيْبةَ مِنْ طَرِيقِ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ أَتَتْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ مَطَارِفُ خَزٍّ فَكَسَاهَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْأَصَحُّ فِي تَفْسِيرِ الْخِزَانَةِ ثِيَابٌ سَدَاهَا مِنْ حَرِيرٍ وَلُحْمَتُهَا

الصفحة 59