أى: ومن رحمته بكم، وفضله عليكم، أن ألقى- سبحانه- في الأرض جبالا ثوابت كراهة أن تميد وتضطرب بكم، وأنتم عليها.
وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ أى: وأوجد ونشر في الأرض التي تعيشون فوقها، من كل دابة من الدواب التي لا غنى لكم عنها والتي فيها منفعتكم ومصلحتكم.
والبث: معناه: النشر والتفريق. يقال: بث القائد خيله إذا نشرها وفرقها.
ثم بين- سبحانه- نعمة ثالثة فقال: وَأَنْزَلْنا أى: بقدرتنا مِنَ السَّماءِ ماءً أى: ماء كثيرا هو المطر، فَأَنْبَتْنا فِيها أى: فأنبتنا في الأرض بسبب نزول المطر عليها. مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أى: صنف كَرِيمٍ أى حسن جميل كثير المنافع.
والإشارة في قوله: هذا خَلْقُ اللَّهِ.. تعود إلى ما ذكره- سبحانه- من مخلوقات قبل ذلك. والخلق بمعنى المخلوق.
هذا الذي ذكرناه لكم من خلق السموات والأرض والجبال ... هو من مخلوقنا وحدنا، دون أن يشاركنا فيما خلقناه مشارك.
والفاء في قوله- تعالى-: فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ واقعة في جواب شرط مقدر، أى: إذا علمتم ذلك فأرونى وأخبرونى، ماذا خلق الذين اتخذتموهم آلهة من دونه- سبحانه- إنهم لم يخلقوا شيئا ما، بل هم مخلوقون لله- تعالى-.
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة تحدى المشركين، وإثبات أنهم في عبادتهم لغير الله، قد تجاوزوا كل حد في الجهالة والضلالة.
وقوله- سبحانه-: بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ إضراب عن تبكيتهم وتوبيخهم، إلى تسجيل الضلال الواضح عليهم.
أى: بل الظالمون في ضلال بين واضح، لأنهم يعبدون آلهة لا تضر ولا تنفع، ويتركون عبادة الله- تعالى- الخلاق العليم.
ثم ساق- سبحانه- على لسان عبد صالح من عباده، جملة من الوصايا الحكيمة، لتكون عظة وعبرة للناس، فقال- تعالى-: