كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 11)
والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم، ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء " 1.
فهذان المرسلان من هذين الوجهين المختلفين، يدلان على ثبوت الحديث؛ لاسيما وقد احتج به من أرسله؛ وذلك يقتضي ثبوته عنده؛ هذا لو لم يكن روي مسندا من وجوه غير هذا، فكيف وقد تقدم مسندا؟
ووجه الدلالة منه: أن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيدا؛ فقبر غيره أولى بالنهي، كائنا من كان. ثم إنه قرن ذلك بقوله: " ولا تتخذوا بيوتكم قبورا" 2 أي: لا تعطلوها، من الصلاة فيها، والدعاء، والقرآن، فتكون بمنْزلة القبور.
فأمر بتحري النافلة في البيوت، ونهى عن تحري العبادة عند القبور، وهذا ضد ما عليه المشركون; ثم إنه عقب النهي عن اتخاذه عيدا، بقوله: " وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم" 3 يشير بذلك إلى ما ينالني منكم من الصلاة والسلام، يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم؛ فلا حاجة إلى اتخاذه عيدا.
وقد حرف هذه الأحاديث، بعض من أخذ شبها من النصارى بالشرك، وشبها من اليهود بالتحريف، فقال: هذا أمر بملازمة قبره، والعكوف عنده، واعتياد قصده،
__________
1 أبو داود: المناسك (2042) , وأحمد (2/367) .
2 البخاري: الصلاة (432) والجمعة (1187) , ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها (777) , والترمذي: الصلاة (451) , والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار (1598) , وأبو داود: الصلاة (1448) , وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1377) , وأحمد (2/6) .
3 أبو داود: المناسك (2042) , وأحمد (2/367) .