كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 11)

ونفي الشرك، مطابقة وتضمنا، والتزاما.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء دعوته أنه لم يتبعه إلا أبو بكر وبلال، كما في حديث عمرو بن عبسة، لما اجتمع به بمكة، وأخبره بما بعثه الله به من التوحيد، قال: فمن معك؟ قال: "حر وعبد". وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام يعود غريبا كما بدأ، وقال: " طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس " 1، وفي رواية: " الذين يصلحون ما أفسد الناس " 2 وأخبر أنهم النّزاع من القبائل، وأن من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم.
وكل هذا الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وقع بعد القرون المفضلة، لما حدثت بدعة الجهمية، وظهرت في آخر القرون الثلاثة، وكفرهم من العلماء نحو من خمسمائة أو أكثر؛ لأنهم جحدوا ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال، ونعوت الجلال، على ما يليق بالله تعالى؛ فلم يفهموا من صفات الله، إلا مثل ما يعرفونه من صفات المخلوقين، فشبهوا أولا، وعطلوا ثانيا، فهذا إلحاد منهم في التوحيد العلمي الاعتقادي.
وأما الإلحاد في التوحيد العملي، توحيد القصد والطلب، فذلك وقع لما صار لبني بويه الديلمي في المشرق دولة، فأظهروا الغلو في أهل البيت، وبنوا المشهد بزعمهم أنه على قبر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وبنوا
__________
1 أحمد (4/73) .
2 الترمذي: الإيمان (2630) .

الصفحة 516