كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)

مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ كَالْحَاكِمِ. وَاحْتَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ فِي حِيلَةٍ، فَقَالَ: يَقُولُ لِلْمُسْتَفْتِي: يَلْزَمُنِي أَنْ أُفْتِيَكَ قَوْلًا، وَلَا يَلْزَمُنِي أَنْ أَكْتُبَ لَكَ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ جَازَ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنَ الْأُجْرَةِ إِلَّا قَدْرَ أُجْرَةِ كِتَابَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَتْوًى، لِئَلَّا يَكُونَ آخِذًا زِيَادَةً بِسَبَبِ الْإِفْتَاءِ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا: وَلَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى أَنْ جَعَلُوا لَهُ رِزْقًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِيَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ، جَازَ.
وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ، فَقَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ قَبُولُهَا إِنْ كَانَتْ رِشْوَةً عَلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، كَمَا فِي الْحَاكِمِ وَسَائِرِ مَا لَا يُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِمَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِتَدْرِيسِ الْعِلْمِ أَوْ لِلْفَتْوَى فِي الْأَحْكَامِ مَا يُغْنِيهِ عَنِ التَّكَسُّبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ كَالْأَيْمَانِ وَالْإِقْرَارِ وَالْوَصَايَا وَنَحْوِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ اللَّافِظِ أَوْ نَازِلًا مَنْزِلَتَهُمْ فِي الْخِبْرَةِ بِمُرَادِهِمْ فِي الْعَادَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي وَالْعَامِلِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ ذَاتِ الْوَجْهَيْنِ أَوِ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، بَلْ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إِنْ عَلِمَهُ، وَإِلَّا فَبِالَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا. وَلَا عَلِمَ السَّابِقَ، لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ أَرْجَحِهِمَا، فَيَعْمَلُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ، اشْتَغَلَ بِهِ مُتَعَرِّفًا ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَمَآخِذِهِ وَقَوَاعِدِهِ، وَإِلَّا فَلْيَنْقُلْهُ عَنِ الْأَصْحَابِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ تَرْجِيحٌ بِطَرِيقٍ، تَوَقَّفَ.
وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فَيَتَعَرَّفُ أَرْجَحُهُمَا بِمَا سَبَقَ إِلَّا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالتَّأَخُّرِ إِلَّا إِذَا وَقَعَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ، وَالْآخِرُ مُخَرَّجًا، فَالْمَنْصُوصُ هُوَ

الصفحة 111