كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)
الْمُسْتَخْلَفِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْجَمِيعِ، وَقَطَعَ ابْنُ كَجٍّ بِالْجَوَازِ فِي الْكُلِّ عِنْدَ مُطْلَقِ الْإِذْنِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ، فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ، فَإِنْ كَانَ مَا فَوَّضَهُ إِلَيْهِ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: هَذَا النَّهْيُ كَالْعَدَمِ، وَالْأَقْرَبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا بُطْلَانُ التَّوْلِيَةِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَإِمَّا اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُمْكِنِ، وَتَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ.
قُلْتُ: هَذَا أَرْجَحُهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ الْعَامِّ، أَمَّا فِي الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ، كَتَحْلِيفِ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ، فَقَطَعَ الْقَفَّالُ بِجَوَازِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ.
فُرُوعٌ
أَحَدُهَا: يُشْتَرَطُ فِي الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرًا خَاصًّا، كَفَاهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ حَتَّى إِنَّ نَائِبَ الْقَاضِي فِي الْقُرَى إِذَا كَانَ الْمُفَوَّضَ إِلَيْهِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَنَقْلُهَا دُونَ الْحُكْمِ، كَفَاهُ الْعِلْمُ بِشُرُوطِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ.
الثَّانِي: قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي «التَّجْرِبَةِ» : نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الْمَبْسُوطِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ الشَّافِعِيَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُخَالِفُهُ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَلَى النَّائِبِ أَنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادَهُ، وَيَحْكُمَ بِاجْتِهَادِ الْمُنِيبِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إِذَا جَوَّزْنَا تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ لِلضَّرُورَةِ، فَاعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ فِي حَقِّهِ كَاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِخِلَافِ اعْتِقَادِ مُقَلِّدِهِ،
الصفحة 119
319