كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)
الْمُسَاكَنَةُ فِي الدَّارِ دُونَ الْخَانِ، لِأَنَّهَا تُعَدُّ مَسْكَنًا لِوَاحِدٍ، وَالْخَانُ يُبْنَى لِسُكْنَى جَمَاعَةٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الْخَانِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَيْتِ بَابٌ وَغُلِّقَ، كَالدُّورِ فِي الدَّرْبِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الدَّارِ الْكَبِيرَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا بَابٌ وَغُلِّقَ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا، أَوْ سَكَنَا فِي صِفَتَيْنِ مِنْهَا، أَوْ فِي بَيْتٍ وَصِفَةٍ، فَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ
[فِي الْعَادَةِ. وَلَوْ أَقَامَا فِي بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ صَغِيرَةٍ، فَهُمَا مُتَسَاكِنَانِ] وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَابٌ وَغُلِّقَ، لِمُقَارَبَتِهِمَا وَكَوْنِهِمَا فِي الْأَصْلِ مَسْكَنًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْخَانِ الصَّغِيرِ، وَهَكَذَا فَصَّلَ الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي بَيْتَيِ الدَّارِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَرَأَى الْأَصَحَّ حُصُولَ الْمُسَاكَنَةِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الدَّارِ، وَالْآخَرُ فِي حُجْرَةٍ مُنْفَرِدَةِ الْمَرَافِقِ وَبَابُهَا فِي الدَّارِ، فَلَا مُسَاكَنَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ فِي حُجْرَتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيِ الْمَرَافِقِ فِي دَارٍ. وَالْمِرْفَقُ الْمُسْتَحَمُّ وَالْمَطْبَخُ، وَالْمَرْقَى وَغَيْرُهَا، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحُجْرَةِ فِي الْخَانِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ الْمَرْقَى فِي الْخَانِ.
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُسَاكِنُ زَيْدًا، فَإِمَّا أَنْ يُقَيِّدَ الْمُسَاكَنَةَ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَفْظًا، بِأَنْ يَقُولَ: فِي هَذَا الْبَيْتِ، أَوْ هَذِهِ الدَّارِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُقَيِّدَ.
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يُقَيِّدَ، فَيَحْنَثُ بِتَسَاكُنِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ كَانَا فِيهِ عِنْدَ الْحَلِفَ، فَفَارَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ مَكَثَا فِيهِ بِلَا عُذْرٍ، حَنِثَ. فَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَدْخَلٌ، أَوْ أَحْدَثَا مَدْخَلًا، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ، وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيُّ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إِلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. فَإِنْ
الصفحة 32
319