كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)

شَرِبَ مِنْ مَائِهَا مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. وَلَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مِنْ مَائِهَا، بَرَّ بِمَا شَرِبَ وَإِنْ قَلَّ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذَا النَّهْرِ، أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مِنْهُ، فَالْحُكْمُ كَالْإِدَاوَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مِنْ مَاءِ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوِ الْحَبِّ أَوِ الْمَصْنَعِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُمْكِنُ شُرْبُ جَمِيعِهِ وَلَوْ فِي مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِشُرْبِ جَمِيعِهِ. وَمَتَى بَقِيَ شَيْءٌ مِنْهُ، لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ: سِوَى الْبَلَلِ الَّذِي يَبْقَى فِي الْعَادَةِ. وَلَوْ قَالَ: لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْإِدَاوَةِ أَوِ الْحُبِّ، لَمْ يَبِرَّ إِلَّا بِشُرْبِ الْجَمِيعِ. وَلَوْ قَالَ: لَا أَشْرَبُ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوِ الْبَحْرِ أَوِ الْبِئْرِ الْعَظِيمَةِ، فَهَلْ يَحْنَثُ بِشُرْبِ بَعْضِهِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَصَحُّهُمَا: لَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ كَمَسْأَلَةِ الْإِدَاوَةِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ، لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ. وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوِ الْبَحْرِ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَبِرُّ بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَبِرُّ بِبَعْضِهِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ أَمْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْعَجْزَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُحْسَنُ الِانْتِظَارُ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ. وَقِيلَ: لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ أَصْلًا، لِأَنَّ الْبَرَّ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَلَوْ حَلَفَ: لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، فَفِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَجْهَانِ، الْأَصَحُّ: الِانْعِقَادُ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْكَمُ بِالْحِنْثِ فِي الْحَالِ، أَمْ قَبْلَ الْمَوْتِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ: لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ غَدًا، وَفَرَّعْنَا عَلَى انْعِقَادِ الْيَمِينِ، فَهَلْ يَحْنَثُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ، أَمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَجِّحَ هُنَا الثَّانِي. وَعَلَى هَذَا، فَهَلْ يَحْنَثُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنَ الْغَدِ، أَمْ قَبْلَ ذَلِكَ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي فِي نَظِيرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ، فَهَلْ يَنْعَقِدُ

الصفحة 34