كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)

الْمُتَوَلِّي. أَحَدُهُمَا: لَا، كَالْبَيْعِ، وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَالْغَزَالِيُّ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُنَا سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَلِهَذَا يَجِبُ تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ قَبِلَ لِغَيْرِهِ نِكَاحًا، فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْحِنْثُ، وَمُقْتَضَى الثَّانِي الْمَنْعُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي، فَوَكَّلَ لِغَيْرِهِ فِيهِمَا، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ: إِنْ صَرَّحَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُوَكَّلِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ نَوَاهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ، حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، لَمْ يَحْنَثْ بِتَكْلِيمِ عَبْدٍ اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ. وَلَوْ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا زَيْدٌ، فَكَلَّمَ مَنْ تَزَوَّجَهَا لِزَيْدٍ وَكِيلُهُ، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، فِيمَا لَوْ حَلَفَ: لَا يَتَزَوَّجُ، فَتَزَوَّجَ وَكِيلُهُ لَهُ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُ زَوْجَةَ زَيْدٍ، حَنِثَ بِتَكْلِيمِ مَنْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ بِلَا خِلَافٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الصُّوَرِ فِيمَنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ، فَأَمَّا إِنْ نَوَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يُفْعَلَ بِإِذْنِهِ، أَوْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْمُرَ بِهِ، فَيَحْنَثُ إِذَا أَمَرَ بِهِ فَفُعِلَ، هَكَذَا أَطْلَقُوهُ مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الْآخَرِ مَجَازٌ. وَفِي هَذَا اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَمِيعًا، وَهُوَ بَعِيدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ مَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ جَمِيعًا، فَيُقَالُ: إِذَا نَوَى أَنْ لَا يَسْعَى فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، حَنِثَ بِمُبَاشَرَتِهِ، وَبِالْأَمْرِ بِهِ، لِشُمُولِ الْمَعْنَى وَإِرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى إِرَادَةِ الْمَجَازِ فَقَطْ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ حَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ فِي جَوَازِ إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

الصفحة 48