كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)

وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَسَيَأْتِي خِلَافٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّهُ هَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ لَفْظِ الْعِبَادَاتِ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ عَلَى الصَّحِيحِ؟ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ، يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ، لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ كَالصَّحِيحِ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَقَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَحْنَثُ.

الرَّابِعَةُ: إِذَا حَلَفَ لَا يَهَبُ، حَنِثَ بِكُلِّ تَمْلِيكٍ فِي الْحَيَاةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرُّقْبَى وَالْعُمْرَى، لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ خَاصَّةٌ مِنَ الْهِبَةِ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ بِمَا سِوَى الْهِبَةِ. وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِالرُّقْبَى وَالْعُمْرَى دُونَ الصَّدَقَةِ، حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ تَخْتَلِفَانِ اسْمًا وَمَقْصُودًا وَحُكْمًا. أَمَّا الِاسْمُ، فَلِأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ لَا يُقَالُ: وَهَبَ لَهُ، وَأَمَّا الْمَقْصُودُ، فَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْهِبَةُ لِاكْتِسَابِ الْمَوَدَّةِ. وَأَمَّا الْحُكْمُ، فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَيَأْكُلُ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ. هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَمَّا إِذَا أَدَّى الزَّكَاةَ، أَوْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، فَلَا يَحْنَثُ، كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا. وَعَنِ الْقَفَّالِ تَرْدِيدُ جَوَابٍ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَا يَحْنَثُ بِالْإِعَارَةِ، إِذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا، وَلَا بِالْوَصِيَّةِ، لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمَيِّتُ لَا يَحْنَثُ وَلَا بِالضِّيَافَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: يَحْنَثُ بِالْوَصِيَّةِ. وَفِي الضِّيَافَةِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّيْفَ يَمْلِكُ مَا يَأْكُلُهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَلَا يَحْنَثُ بِالْوَقْفِ عَلَيْهِ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَاقِفِ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، حَنِثَ. وَقِيلَ: فِيهِ خِلَافٌ. وَلَوْ قَالَ الْحَالِفُ لِرَجُلٍ: وَهَبْتُكَ كَذَا فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتِمَّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ

الصفحة 50