كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)
يُقَالُ: وَهَبَهُ كَذَا، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَخَرَجَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا أَعْمَرَهُ أَوْ أَرْقَبَهُ، وَلَمْ نُصَحِّحِ الْعَقْدَيْنِ. وَلَوْ تَمَّ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فِي الْهِبَةِ، لَكِنْ لَمْ تُقْبَضْ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَوَلِّي: يَحْنَثُ لِأَنَّ الْهِبَةَ حَصَلَتْ، وَالْمُتَخَلِّفُ الْمِلْكُ. وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ لَمْ يَحْصُلْ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحْنَثُ، وَصَحَّحَهُ آخَرُونَ غَيْرُ الْبَغَوِيِّ، مِنْهُمُ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
حَلَفَ: لَا يَتَصَدَّقُ، فَتَصَدَّقَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، يَحْنَثُ، لِشُمُولِ الِاسْمِ، وَسَوَاءً تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ دَفَعَ إِلَى ذِمِّيٍّ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا قِرْبَةَ فِيهِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ، وَيَحْنَثُ بِالْإِعْتَاقِ دُونَ الْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ، وَفِي الْهِبَةِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ بِهَا كَعَكْسِهِ. وَأَصَحُّهُمَا، لَا. وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ تَتَدَاخَلَانِ تَدَاخُلَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ. وَلَوْ وَقَفَ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُبْنَى عَلَى الْأَقْوَالِ فِي مِلْكِ الْوَقْفِ لِمَنْ هُوَ؟ إِنْ قُلْنَا: لِلْوَاقِفِ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ قُلْنَا: لِلَّهِ تَعَالَى، حَنِثَ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَوَجْهَانِ، كَالْهِبَةِ.
فَرْعٌ
حَلَفَ: لَا يَبِرُّ فُلَانًا، دَخَلَ فِي الْيَمِينِ جَمِيعُ التَّبَرُّعَاتِ مِنَ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْإِعَارَةِ وَالضِّيَافَةِ وَالْوَقْفِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَيَحْنَثُ بِأَيِّهَا وُجِدَ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَبْدَهُ، فَأَعْتَقَهُ، حَنِثَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَبْرَأَهُ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الزَّكَاةَ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يُعْتِقُ عَبْدًا فَكَاتَبَهُ، وَعُتِقَ بِالْأَدَاءِ، لَمْ يَحْنَثْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَلَوْ حَلَفَ: لَا يَضْمَنُ لِفُلَانٍ مَالًا، فَكَفَلَ بَدَنَ مَدْيُونِهِ، لَمْ يَحْنَثْ.
الصفحة 51
319