كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)

الْخَامِسَةُ: حَلَفَ: لَا مَالَ لَهُ، حَنِثَ بِكُلِّ مَالٍ حَتَّى ثِيَابِ بَدَنِهِ، وَدَارِهِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا، وَعَبْدِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ، حَنِثَ، كَالْوَدِيعَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَخَرَجَ فِيهِ وَجْهٌ مِنْ قَوْلِهِ الْقَدِيمِ: لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ. وَقِيلَ: فِي الْجَاحِدِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: إِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ، حَنِثَ قَطْعًا، وَإِلَّا، فَلَا. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ، أَوْ مَالٌ ضَالَّةٌ، أَوْ مَغْصُوبٌ، أَوْ مَسْرُوقٌ، وَانْقَطَعَ خَبَرُهَا، فَفِي الْحِنْثِ وَجْهَانِ، لِتَعَارُضِ أَصْلِ بَقَائِهَا، وَعَدَمِ الْحِنْثِ. وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ حَاضِرًا، وَالْمَالِكُ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِزَاعِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى بَيْعِهِ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِهِ، حَنِثَ قَطْعًا، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي. وَلَوْ كَانَ لَهُ مُدَبَّرٌ أَوْ مُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَصَّى بِهِ، حَنِثَ، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَيُقَالُ: الْأَظْهَرُ، وَقِيلَ: قَطْعًا، وَيَحْنَثُ بِأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَهُ، وَلَهُ مَنَافِعُهَا، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةً بِوَصِيَّةٍ أَوْ إِجَارَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَحْنَثْ بِالْمَوْقُوفِ إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْوَاقِفِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ، فَكَالْمُسْتَوْلِدَةِ. وَلَوْ كَانَ قَدْ جَنَى عَلَيْهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ، حَنِثَ، وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، وَلَمْ يَقْتَصَّ وَلَمْ يَعْفُ، قَالَ فِي «الْبَيَانِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُبْنَى عَلَى أَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ مَاذَا؟ إِنْ قُلْنَا: الْقَوْدُ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقَوْدُ أَوِ الْمَالُ، حَنِثَ، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي هَذَا.
قُلْتُ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِأَنْ لَا حِنْثَ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَكَوْنُ الْمَالِ مَرْهُونًا لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ، وَكَذَا عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ.

الصفحة 52