كتاب روضة الطالبين وعمدة المفتين (اسم الجزء: 11)

الْمُكْرَهِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى فِعْلِهِ، وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي الْفِرَارِ. فَإِنْ فَارَقَهُ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، خَرَجَ الْحِنْثُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَنَقَلَ الْبَغَوِيُّ طَرِيقًا قَاطِعًا بِالْحِنْثِ، وَأَنَّ الِاخْتِيَارَ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي فِعْلِ الْحَالِفِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَلَوْ فَرَّ الْحَالِفُ مِنَ الْغَرِيمِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَيَجِيءُ وَجْهٌ أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ الْغَرِيمَ مُتَابَعَتُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ، حَنِثَ. وَلَوْ قَالَ: لَا افْتَرَقْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ، أَوْ لَا تَفْتَرِقُ لَا أَنَا وَلَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ فَالْيَمِينُ عَلَى فِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَأَيُّهُمَا فَارَقَ الْآخَرَ مُخْتَارًا، حَنِثَ الْحَالِفُ. فَإِنْ فَارَقَ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا، فَفِيهِ الْخِلَافُ. وَلَوْ قَالَ: لَا افْتَرَقْنَا حَتَّى أَسْتَوْفِيَ، أَوْ لَا نَفْتَرِقُ، فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُفَارِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ. وَأَصَحُّهُمَا: يَحْنَثُ بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: افْتَرَقَا.
فَرْعٌ
النَّظَرُ الثَّانِي فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، فَإِذَا قَالَ: لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ وَفَارَقَهُ، حَنِثَ، لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبَرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَهَلْ يُحْكَمُ بِالْحِنْثِ بِنَفْسِ الْإِبْرَاءِ، أَمْ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ؟ يَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَظَائِرِهِ. وَلَوْ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ، فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ فَفَارَقَهُ، فَفِيهِ قَوْلَا حِنْثِ الْمُكْرَهِ. وَإِنْ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ، حَنِثَ. وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ، حَنِثَ. وَلَوْ أَحَالَهُ الْغَرِيمُ عَلَى رَجُلٍ، أَوْ أَحَالَ هُوَ عَلَى الْغَرِيمِ غَرِيمًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، ثُمَّ فَارَقَهُ، فَطَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ أَمِ اعْتِيَاضٌ؟ إِنْ قُلْنَا: اسْتِيفَاءٌ، لَمْ يَحْنَثْ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْحِنْثِ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِيفَاءَ حَقِيقَةٍ وَحَيْثُ جَعَلْنَاهَا اسْتِيفَاءً، فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا كَالِاسْتِيفَاءِ فِي

الصفحة 75