كتاب سلسلة ومضات إعجازية من القرآن والسنة النبوية (اسم الجزء: 11)
نُسْخَتِها هُدىً ورَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ، (الأعراف: 154) .. وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)، (الحج: 52) .. هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)، (الجاثية: 29).
وقد أطلقت بعض الأبحاث والمقالات الصحفية على الاستنساخ اسم «الاستنسال» أو «التطبيق» أو «الكلونة» أو «الاستتئام» أو «التوأمة»، لكن أجود الألفاظ جاءت بكلمة «الاستنساخ» لوضوحها وقوة دلالتها منه، ولتفصيل ذلك بلغة أهل اللغة نقول:
مصدره استنسخ، وأصله نسخ، يقول الرازي في صحاحه: (ن س خ نسخت الشمس الظل وانتسخته أزالته، ونسخت الريح آثار الديار غيرتها، ونسخ الكتاب وانتسخه واستنسخه سواء، والنسخة اسم المنتسخ منه، ونسخ الآية بالآية إزالة مثل حكمها) «1» .. يقول صاحب القاموس: (نسخه كمنعه: أزاله وغيره وأبطله وأقام شيئا مقامه. والشيء نسخه، والكتاب كتبه عن معارضة كانتسخه واستنسخه) «2». وعند أهل الصرف هو من الأفعال المزيدة والوزن استفعل من الفعل الثلاثي نسخ، وكل زيادة في المبنى تعني زيادة في المعنى، ومن معاني هذا الوزن السؤال والطلب كقولك (استغفر) أي طلب المغفرة، الاتخاذ كقولك (استأجر)، الصيرورة كقولك (استحجر الطين) أي صار حجرا، وهنا استنسخ أي صيّر نسخة ولكل نسخة أصل يؤخذ منه ..
وفي الكتاب العزيز يقول تعالى هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)، (الجاثية: 29) ... يقول صاحب مناهل العرفان (2/ 126): (ما هو النسخ؟، يطلق النسخ في لغة العرب على معنيين أحدهما إزالة الشيء وإعدامه ومنه قول اللّه تعالى: وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)، (الحج: 52). ومنه قولهم نسخت الشمس الظل ونسخ الشيب الشباب ومنه تناسخ
______________________________
(1) الرازي، مختار الصحاح، ص 273.
(2) القاموس المحيط، 4/ 362.