كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَائِدَةٌ:
لَوْ حَكَمَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ، ثُمَّ بَانَ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْحَقِّ: لَمْ يَصِحَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْقَصْرِ مِنْ الْفُصُولِ. قُلْت: لَوْ خَرَّجَ الصِّحَّةَ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحُسَيْنِ، فِيمَا إذَا اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالطَّهُورِ، وَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ، فَظَهَرَ أَنَّهُ الطَّهُورُ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَلَا يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، وَلَا حَاقِنٌ) وَكَذَا أَوْ حَاقِبٌ (وَلَا فِي شِدَّةِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَالْهَمِّ، وَالْوَجَعِ، وَالنُّعَاسِ، وَالْبَرْدِ الْمُؤْلِمِ، وَالْحَرِّ الْمُزْعِجِ) . وَكَذَا فِي شِدَّةِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ، وَالْفَرَحِ الْغَالِبِ، وَالْمَلَلِ وَالْكَسَلِ. وَمُرَادُهُ بِالْغَضَبِ: الْغَضَبُ الْكَثِيرُ. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ. وَصَرَّحَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ بِالتَّحْرِيمِ. قُلْت: وَالدَّلِيلُ فِي ذَلِكَ يَقْتَضِيهِ. وَكَلَامُهُمْ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّا فِي الْخِصَالِ: الْكَرَاهَةَ. فَقَالَ: إنْ كَانَ غَضْبَانَا، أَوْ جَائِعًا: كُرِهَ لَهُ الْقَضَاءُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِي وَهُوَ غَضْبَانُ.
فَائِدَةٌ:
كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ الْغَضَبِ دُونَ غَيْرِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ فِي " كِتَابِ الطَّلَاقِ ". قَوْلُهُ (فَإِنْ خَالَفَ وَحَكَمَ، فَوَافَقَ الْحَقَّ: نَفَذَ حُكْمُهُ) .

الصفحة 209