كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

وَقَدَّمَ فِيمَا إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ، فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ: أَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْخِرَقِيُّ يَجْعَلُ لَغْوَ الْيَمِينِ شَيْئَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ عَقْدَ الْيَمِينِ. كَقَوْلِهِ (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ، فَيَبِينَ بِخِلَافِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ. وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَالْقَاضِي يَجْعَلُ الْمَاضِيَ لَغْوًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ رِوَايَتَيْنِ. وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَكْسُهُ. فَجَعَلَ سَبْقَ اللِّسَانِ لَغْوًا، قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الْمَاضِي. رِوَايَتَانِ.
وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي رِوَايَتَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَجْعَلُ اللَّغْوَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هَذَا دُونَ هَذَا. وَفِي الْأُخْرَى عَكْسُهُ. وَجَمَعَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بَيْنَ طَرِيقَتَيْ الْقَاضِي وَأَبِي مُحَمَّدٍ. فَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ. فَإِذَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَاضِي (لَا وَاَللَّهِ) وَ (بَلَى وَاَللَّهِ) فِي الْيَمِينِ. مُعْتَقِدًا أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ: فَهُوَ لَغْوٌ اتِّفَاقًا. وَإِنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَوْ تَعَمَّدَ الْيَمِينَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ: فَثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. كِلَاهُمَا لَغْوٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْحِنْثُ فِي الْمَاضِي دُونَ مَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ، وَعَكْسُهُ. وَقَدْ تَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ خَمْسُ طُرُقٍ.

الصفحة 22