كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

الثَّالِثَةُ: إطْلَاقُ الْحَاكِمِ الْمَحْبُوسَ مِنْ الْحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ: حُكْمٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ. وَكَذَا أَمَرَهُ بِإِرَاقَةِ نَبِيذٍ. ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي الْمُحْتَسِبِ. وَتَقَدَّمَ فِي " بَابِ الصُّلْحِ " أَنَّ إذْنَهُ فِي مِيزَابٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ: يَمْنَعُ الضَّمَانَ. لِأَنَّهُ كَإِذْنِ الْجَمِيعِ. وَمَنْ مَنَعَ، فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ يَأْذَنَ. لَا لِأَنَّ إذْنَهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ. وَلِهَذَا يَرْجِعُ بِإِذْنِهِ فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَنَفَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَضْمَنُ بِإِذْنِهِ فِي النَّفَقَةِ عَلَى لَقِيطٍ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ ضَمِنَ لَهُ لِعَدَمِهَا. وَلِهَذَا إذْنُ الْحَاكِمِ فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ: كَافٍ بِلَا خِلَافٍ. وَسَبَقَ كَلَامُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ هُوَ الْفَاسِخُ. وَإِنَّمَا يَأْذَنُ لَهُ وَيْحُكُمْ لَهُ. فَمَتَى أَذِنَ أَوْ حَكَمَ لِأَحَدٍ بِاسْتِحْقَاقِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ، فَعَقَدَ أَوْ فَسَخَ: لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمٍ بِصِحَّتِهِ، بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدَ هُوَ أَوْ فَسَحَ فَهُوَ فِعْلُهُ. وَهَلْ فِعْلُهُ حُكْمٌ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَوْدٌ لِزَيْدٍ. فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ " حَكَمْت بِهِ " أَوْ أَمَرَ رَبُّ الدِّينِ الثَّابِتِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ. وَلَمْ يَقُلْ " حَكَمْت بِهِ " احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ. وَكَذَا حَبْسُهُ وَإِذْنُهُ فِي الْقَتْلِ وَأَخْذِ الدَّيْنِ. انْتَهَى.

الرَّابِعَةُ: فِعْلُهُ حُكْمٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي حِمَى الْأَئِمَّةِ: أَنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ. وَذَكَرُوا خِلَافَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمِيزَابَ وَنَحْوَهُ يَجُوزُ بِإِذْنٍ. وَاحْتَجُّوا بِنَصْبِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مِيزَابَ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

الصفحة 220