كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَغَيْرِهِ فِي " بَيْعِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً " إنْ بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا: صَحَّ. لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: لَا شُفْعَةَ فِيهَا، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهَا حَاكِمٌ، أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي أَيْضًا: إنَّ تَرْكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ وَقْفٌ لَهَا. وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ لَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً: أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَمْلِكُ مَالَ مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ. وَقَالَ: إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ تَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ. انْتَهَى. وَفِعْلُهُ حُكْمٌ، كَتَزْوِيجِ يَتِيمَةٍ، وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ، وَعَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ. وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ. وَقُلْنَا: يَأْخُذُهُ الْحَاكِمُ. ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمُقِرُّ لَمْ يَصِحَّ. لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ. وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْقِسْمَةِ الْمُطْلَقَةِ الْمَنْسِيَّةِ: أَنَّ قُرْعَةَ الْحَاكِمِ كَحُكْمِهِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ: فِعْلُهُ حُكْمٌ إنْ حَكَمَ بِهِ هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ، وِفَاقًا، كَفُتْيَاهُ. فَإِذَا قَالَ " حَكَمْت بِصِحَّتِهِ " نَفَذَ حُكْمُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمَوْقِعَيْنِ: فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ. فَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ مَا أَفْتَى: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ، وَلَا هِيَ كَالْحُكْمِ. وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتَى لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ، وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ. انْتَهَى.

الصفحة 221