كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

وَقَدَّمَهُ فِي التَّرْغِيبِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَابْنِ الْبَنَّا، حَيْثُ أَطْلَقَ: أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ مِنْ الْحُكْمِ إلَّا مَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ مُدَدٍ. وَلَا يَسَعُ النَّاسَ غَيْرُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَأَمَّا إذَا خَالَفَتْ الصَّوَابَ: فَإِنَّهَا تُنْقَضُ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ سَاغَ فِيهَا الِاجْتِهَادَ. فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: حُكْمُهُ بِالشَّيْءِ حُكْمٌ يُلَازِمُهُ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْمَفْقُودِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ وَجْهٌ. يَعْنِي: أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِلَازِمِهِ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ فِي لِعَانِ عَبْدٍ، فِي إعَادَةِ فَاسِقٍ شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ. لِأَنَّ رَدَّهُ لَهَا حُكْمٌ بِالرَّدِّ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ. فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ رَدِّ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ، لِإِلْغَاءِ قَوْلِهِمَا. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ أَيْضًا فِي شَهَادَةٍ فِي نِكَاحٍ لَوْ قُبِلَتْ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ. فَإِنَّ سَبَبَ الْأَوَّلِ الْفِسْقُ، وَزَالَ ظَاهِرًا، لِقَبُولِ سَائِرِ شَهَادَاتِهِ. وَإِذَا تَغَيَّرَتْ صِفَةُ الْوَاقِعَةِ فَتَغَيَّرَ الْقَضَاءُ بِهَا: لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْقَضَاءِ الْأَوَّلِ، بَلْ رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ. لِأَنَّهُ صَارَ خَصْمًا فِيهِ. فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِوَلِيِّهِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: رَدُّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ بِاجْتِهَادِهِ. فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَدِّ عَبْدٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى، وَالْمُخَالَفَةَ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ نَقْضٌ مَعَ الْعِلْمِ.

الصفحة 226