كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ. ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْخِرَقِيُّ لِوُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْمُقِرِّ. وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي رِوَايَةٍ ابْنِ مَنْصُورٍ. إذَا قَالَ " أَوْدَعَنِي أَحَدُهُمَا لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا " أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى مَا إذَا صَدَّقَاهُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: إنْ عَادَ بَيْنَهُ، فَقِيلَ: كَتَبْيِينِهِ ابْتِدَاءً. وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: إنْ أَبَى الْيَمِينَ مِنْ قَرْعٍ: أَخَذَهَا أَيْضًا.
وَقِيلَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: ثَبَتَ الْحَقُّ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِلَّا لَصَحَّتْ الشَّهَادَةُ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. فَقَالُوا: الشَّهَادَةُ لَا تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِهِ. وَلَهُمَا الْقُرْعَةُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ الْوَاجِبِ وَقَبْلَهُ. فَإِنْ نَكَلَ قُدِّمَتْ. وَيَحْلِفُ لِلْمَقْرُوعِ إنْ كَذَّبَهُ. فَإِنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ: حَلَفَ وَهِيَ لَهُ. وَيَحْلِفُ أَيْضًا: الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَحْلِفُ لَهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ نَكَلَ أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا. وَإِذَا أَخَذَهَا الْمُقِرُّ لَهُ، فَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً: أَخَذَهَا مِنْهُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلِلْمُقِرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ. وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا وَلَمْ يُنَازِعْ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَزَمَ بِهِ الْأَكْثَرُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ. وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا: لَا يَقْرَعُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمَا حَقٌّ كَشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِهَا لِغَيْرِهِمَا. وَتُقَرُّ بِيَدِهِ حَتَّى يَظْهَرُ رَبُّهَا.

الصفحة 394