كتاب الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (اسم الجزء: 11)

بِالتَّكْفِيرِ مِنْهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، بَلْ أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يَمْلِكَهُ لِيُكَفِّرَ: لَمْ يَلْزَمْهُ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا بُذِلَ لَهُ مَالٌ.
قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَنَزَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ لُزُومِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فِي الْحَجِّ، وَنَفْيِ اللُّزُومِ فِي الظِّهَارِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ بِإِذْنِ السَّيِّدِ رِوَايَتَانِ مُطْلَقَتَانِ، سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ. حَكَاهَا الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ حَامِدٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ. فَوَجْهُ عَدَمِ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالْمِلْكِ: أَنَّ تَمَلُّكَهُ ضَعِيفٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ. وَوَجْهُ تَكْفِيرِهِ بِالْمَالِ، مَعَ الْقَوْلِ بِانْتِفَاءِ مِلْكِهِ: لَهُ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ تَكْفِيرَهُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ لَهُ مِنْ السَّيِّدِ وَإِبَاحَةٌ. وَالتَّكْفِيرُ عَنْ الْغَيْرِ لَا يُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَمَا نَقُولُ فِي رِوَايَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقُلْنَا: لَا يَسْقُطُ تَكْفِيرُ غَيْرِهِ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ جَازَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ. كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَلَوْ كَانَتْ قَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ إخْرَاجًا لِلْكَفَّارَةِ. وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَبْدَ ثَبَتَ لَهُ مِلْكٌ قَاصِرٌ بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ الْمُطْلَقُ التَّامُّ. فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِي الْمَالِ الْمُكَفَّرِ بِهِ مِلْكٌ يُبِيحُ لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ، دُونَ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ، كَمَا أَثْبَتْنَا لَهُ فِي الْأَمَةِ مِلْكًا قَاصِرًا أُبِيحَ لَهُ بِهِ التَّسَرِّي بِهَا دُونَ بَيْعِهَا وَهِبَتِهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

الصفحة 47