كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
يزني عبده أو تزني أمته، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرًا، ألا هل بلغت".
أي لو تعلمون من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة، وما بعدها. كما علمت وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لبكيتم كثيرا، ولقل ضحككم لتفكركم فيما علمتموه.
وفي حديث عائشة عند البخاري: فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه، فكبرنا فاقترأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم قال: "سمع الله لمن حمده"، فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة، وهي أدنى من القراءة
__________
في إثارة النفوس وغلبة الغضب ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب العزة؛ "أن يزني عبده أو تزني أمته" متعلق بأغير، وحذف من قبل أن قياس مستمر، وتخصيصهما بالذكر رعاية لحسن الأدب مع الله لتنزهه عن الزوجة والأهل ممن تتعلق بهم الغيرة غالبا "والله" لفظ الموطأ والصحيحين: يا أمة محمد والله بتكرير النداء تنبيها على ما بينه من الفزع إلى الله "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ألا" بالفتح والتخفيف "هل بلغت" ما أمرت به من الإحذار والإنذار وغير ذلك مما أرسلت به، وهذا أعني: ألا هل بلغت من رواية مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام عن عروة عن عائشة، وليست في رواية البخاري من طريق مالك عن هشام "أي: لو تعلمون من عظم انتقام الله من أهل الجرائم وشدة عقابه وأهوال القيامة وما بعدها" أي: الأهوال "كما علمت، وترون النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لتفكركم فيما علمتموه" قيل: معنى القلة هنا العدم والتقدير لتركتم الضحك، أو لم يقع منكم إلا نادرا لغلبة الخوف واستيلاء الحزن، وقيل: معناه لو دام علمكم كما دام علمي؛ لأن علمه متواصل بخلاف غيره، وقيل: معناه لو علمتم من سعة رحمة الله وحلمه وغير ذلك ما علم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك.
"وفي حديث عائشة عند البخاري" ومسلم وغيرهما قالت: خسفت الشمس في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- "فخرج إلى المسجد" لا الصحراء لخوف الفوات بالانجلاء والمبادرة إلى الصلاة مشروعة "فصف الناس" بالرفع، أي: اصطفوا، ويجوز النصب والفاعل محذوف وهو النبي -صلى الله عليه وسلم، قاله الحافظ: فأفاد أن الرواية بالرفع "وراءه" خلفه "فكبرنا" تكبيرة الإحرام "فاقترأ" أي: قرأ "رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قراءة طويلة" نحوا من سورة البقرة "ثم كبر فركع ركوعا طويلا" مسبحا فيه قدر مائة آية من البقرة "ثم قال: "سمع الله لمن حمده" أي: أجاب دعاءه "فقام" من الركوع "ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة وهي أدنى" أي: أقل "من القراءة الأولى" وهي نحو من سورة