كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
وعند الإمام أحمد: أنه -صلى الله عليه وسلم- لما سلم حمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله، ثم قال: "يا أيها الناس، أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني ذلك" فقام رجل فقال: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك، ثم قال: "وأيم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم، وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور
__________
بحسب الكسوف، ولا مانع من ذلك.
وأجاب بعض الحنفية عن زيادة الركوع، فحمله على رفع الرأس لرؤية الشمس هل انجلت أم لا؟ فإذا لم يرها انجلت رجع إلى ركوعه، ففعل ذلك مرة أو مرارا، فظنه بعض من رآه يفعل ذلك ركوعا زائدا، وتعقب بالأحاديث الصريحة في أنه أطال القيام بين الركوعين، ولو كان الرفع لرؤية الشمس فقط لم يحتج إلى تطويل، ولا سيما الأخبار الصريحة أنه قال: ذكر الاعتدال، ثم شرع في القراءة، فكل ذلك يرد هذا الحمل، ولو كان كما زعم هذا القائل لكان فيه إخراج لفعله -صلى الله عليه وسلم- عن العبادة المشروعة، أو لزم منه إثبات هيئة في الصاة لا عهد بها، وهو ما فر منه. انتهى.
"وعند الإمام أحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- لما سلم" من صلاة الكسوف "حمد الله وأثنى عليه" عطف عام على خاص "وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله" بتقديم العبودية؛ لأن له بها مزيد اختصاص؛ ولأنه كان عبدا قبل أن يكون رسولا "ثم قال: "يا أيها الناس أنشدكم": أسألكم "بالله إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي" لعل المعنى في بيان مجمل ما أرسل به، كالصلاة والزكاة والحج ونحوها مما أجمل في القرآن، وبينه -صلى الله عليه وسلم- بالقول والفعل، كما قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] الآية، ما أرسل بتبليغه، وإذا بلغهم لم يكن مقصرا "لما" بالفتح والتشديد، بمعنى ألا "أخبرتموني ذلك فقام رجل: فقال: نشهد" بنون الجماعة إشارة إلى أنه متكلم عن نفسه وعن جميع الحاضرين؛ "أنك قد بلغت رسالات ربك" جميعها ولم تكتم شيئا "ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك"، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وأيم الله" قسم "لقد رأيت منذ قمت أصلي" الكسوف "ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم وأنه" أي: الشأن "والله" أقسم للتأكيد "لا تقوم الساعة" القيامة "حتى يخرج ثلاثون كذابا".
زاد في رواية: "كلهم يزعم أنه رسول الله وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي"، وليس المراد من ادعى النبوة مطلقا؛ لأنهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك من جنون أو سوداء، وإنما