كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

واستدل به على وجوب الوتر، لكونه عليه الصلاة والسلام سلك به مسلك الواجب، حيث لم يدعها نائمة للوتر، وأبقاها للتهجد.
وتعقب: بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب، نعم يدل على تأكيد الوتر، وأنه فوق غيره من النوافل الليلية.
وفيه: استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة، ولا يختص ذلك بالمفروضة ولا بخشية خروج الوقت، بل يشرع إيقاظه لإدراك الجماعة، وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات. قال القرطبي: ولا يبعد أن يقال: إنه واجب في الواجب، مندوب في المندوب؛ لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال فهو كالغافل، وتنبيه الغافل واجب، والله أعلم.
__________
قاله أبو عمر، فلا معارضة بين وصيته لهؤلاء وبين قول عائشة: وانتهى وتره إلى السحر؛ لأن الأول للاحتياط والآخر لمن علم من نفسه قوة بالانتباه، كما جاء عن عمر وعلي وغيرهما أنه الأفضل، وإليه ذهب الجمهور لما في مسلم عن جابر، مرفوعا: "من طمع منكم أن يوتر آخر الليل فليوتر من آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل، ومن خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله".
"واستدل به على وجوب الوتر لكونه عليه الصلاة والسلام سلك به مسلك الواجب حيث لم يدعها نائمة للوتر وأبقاها للتهجد" أي: لانقضائه نائمة "وتعقب بأنه لا يلزم من ذلك الوجوب".
"نعم يدل على تأكيد أمر الوتر وأنه فوق غيره من النوافل الليلية" بل قال مالك: إنه أفضلها مطلقا "وفيه استحباب إيقاظ النائم لإدراك الصلاة ولا يختص ذلك بالمفروضة"؛ لأنه أيقظها للوتر وليس بفرض "ولا بخشية خروج الوقت، بل يشرع إيقاظه لإدراك الجماعة وإدراك أول الوقت وغير ذلك من المندوبات" صلوات كالتهجد، أو غيرها كالتسحر، أو نام وقت الوقوف بعرفة؛ لأنه وقت طلب وتضرع، أو نام أمام المصلين، أو في الصف الأول، أو محراب المسجد، أو على سطح لا حاجز له، أو بعد طلع الفجر قبل طلوع الشمس؛ لأن الأرض تعج إلى الله من نومه حينئذ، أو بعد صلاة العصر، أو خاليا في بيت وحده فإنه مكروه، أو نامت امرأة مستلقية ووجها إلى السماء، أو رجل منبطحا على وجهه، فإنها ضجعة يبغضها الله.
"قال القرطبي: ولا يبعد أن يقال: إنه" أي: الإيقاظ "واجب في الواجب" كما إذا علم بأنه تام بعد دخول الوقت ولم يوكل من يوقظه، وأنه يخرج الوقت وهو نائم "مندوب في المندوب؛ لأن النائم وإن لم يكن مكلفا لكن مانعه سريع الزوال؛" لأنه إذا نبه انتبه "فهو كالغافل وتنبيه الغافل واجب، والله أعلم" بالحكم.

الصفحة 12