كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت. قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب
__________
غيره، وللبخاري: قال أنس: وإن السماء لهي مثل الزجاجة، أي: لشدة صفائها، وذلك مشعر بعدم السحاب أيضا.
"قال" أنس: "فطلعت" أي: ظهرت "من ورائه" أي: سلع "سحابة" وكأنها نشأت من جهة البحر؛ لأن وضع سلع يقتضي ذلك "مثل الترس" أي: مستديرة لا مثله في القدر؛ لأن في رواية أبي عوانة: فنشأت سحابة مثل رجل الطائر وأنا أنظر إليها، وهذا يشعر بأنها كانت صغيرة.
وفي رواية: فهاجت ريح أنشأت سحابا ثم اجتمع، وأخرى: فنشأ السحاب بعضه إلى بعض، وأخرى حتى ثار السحاب أمثال الجبال، أي: لكثرته، وفيه: ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته وكلها في الصحيح، وهذا يدل على أن السقف وكف؛ لأنه كان من جريد النخل "فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت" بالهمز رباعيا، وهذا يشعر بأنها استمرت مستديرة حتى انتهت إلى الأفق، فانبسطت حينئذ وكأن فائدته تعميم الأرض بالمطر.
"قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا" بفتح السين وسكون الموحدة وفوقية كناية عن استمرار الغيم الماطر، وهذا في الغالب، وإلا فقد يستمر المطر والشمس بادية، وقد تحجب الشمس بغير مطر.
قال الحافظ: كذا رواه الأكثر بلفظ: سبتا أحد الأيام، أي: أسبوعان من تسمية الشيء باسم بعضه، كما يقال جمعة، ويقال: أراد قطعة من الزمان، قاله في النهاية.
وقال المحب الطبري: أي: جمعة، وفيه تجوز؛ لأن السبت الأول لم يكن مبتدأ، ولا الثاني منتهي، وعبر أنس بذلك؛ لأنه من الأنصار وكانوا جاوروا اليهود، فأخذوا بكثير من اصطلاحهم، وإنما سموا الأسبوع سبتا؛ لأنه أعظم الأيام عند اليهود، كما أن الجمعة كذلك عند المسلمين.
وقال ثابت في الدلائل: الناس يقولون: معناه من سبت إلى سبت، وإنما هو قطعة من الزمان، وصحفه الداودي فرواه: ستا، بكسر السين وشد الفوقية، ورد بأنه لم ينفرد به، فقد رواه الحموي والمستملي هنا ستا، وكذا رواه سعيد بن منصور وأحمد من وجهين آخرين عن أنس، وكان من ادعى التصحيف استبعد اجتمع قوله: ستا مع قوله في رواية للبخاري سبعا وليس بمستبعد؛ لأن من قال ستا أراد ستة أيام تامة، ومن "قال": سبعا أضاف إليها يوما ملفقا من الجمعتين، وقد رواه مالك عن شريك عن أنس، بلفظ: فمطرنا من جمعة إلى جمعة، وللبخاري عن إسحاق عن أنس: فمطرنا يومئذ، ومن الغدو من بعد الغد والذي يليه حتى الجمعة الأخرى.
"ثم دخل رجل من ذلك الباب" الذي دخل منه السائل أولا "في الجمعة المقبلة" أي: