كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)
في الجمعة المقبلة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائما، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه ثم قال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، قال: فانقطعت فخرجنا نمشي في الشمس. قال
__________
الثانية "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم" حال كونه "يخطب، فاستقبله قائما" نصب على الحال من الضمير المرفوع في استقبله لا من المنصوب "فقال: يا رسول الله هلكت الأموال" أي: المواشي بعدم الرعي، أو عدم ما يكنها لكثر الماء.
وفي رواية النسائي: من كثرة الماء "وانقطعت السبل" لتعذر سلوك الطريق من كثرة الماء، ولابن خزيمة: واحتبس الركبان، وفي رواية: تهدمت البيوت، وأخرى: هدم البناء وغرق المال، فهو بسبب غير السبب الأول "فادع الله يمسكها عنا" بالجزم جواب الأمر والرفع، أي: فهو يمسكها.
وفي رواية: أن يمسكها، أي: الأمطار، أو السحابة، أو السماء، والعرب تطلق على المطر سماء.
وفي رواية: أن يمسك عنا الماء، وأخرى: أن يرفعها عنا، وأخرى: فادع ربك أن يحبسها عنا فضحك، وفي رواية: فتبسم لسرعة ملام ابن آدم.
"قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه" بالتثنية "ثم قال: "اللهم" اجعل، أو أمطر "حوالينا" بفتح اللام "ولا" تنزله "علينا" أي اصرفه عن الأبنية والدور، وهو بيان للمراد بقوله: حوالينا؛ لأنها تشمل الطرق التي حولهم، فأخرجها بقوله: "ولا علينا".
قال الطيبي: في إدخال الواو هنا معنى لطيف؛ لأنه لو أسقطها لكان مستسقيا للأكام وما معها فقط، ودخول الواو يقتضي أن طلب المطر على المذكورات ليس مقصود العينة، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر، فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها للتعليل، كقولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، فإن الجوع ليس مقصود العينة، ولكن لكونه مانعا من الرضاع بأجرة، إذ كانوا يكرهون ذلك آنفا. انتهى.
"اللهم" أنزله "على الآكام" بزنة الجبال "والظراب" بوزنه، وفي رواية للبخاري: والجبال "وبطون الأودية" أي: ما يتحصل فيه الماء لينتفع به، قيل: لم يسمع أفعلة جمع فاعل إلا أودية جمع واد وفيه نظر "ومنابت الشجر": جمع منبت بكسر الموحدة، أي: ما حولها مما يصلح أن ينبت فيه؛ لأن نفس المنبت لا يقع عليه المطر، وفيه الأدب في الدعاء، حيث لم يدع برفع المطر مطلقا لاحتمال الحاجة إلى استمراره، فاحترز فيه بما يقتضي رفع الضرر وإبقاء النفع، ومنه استنبط أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي أن يسخطها لعارض، بل يسأل الله رفع العارض.