كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

وفي هذا دليل عظيم على عظم معجزته عليه الصلاة والسلام، وهو أن سخرت السحاب له كلما أشار إليها امتثلت أمره بالإشارة دون كلام؛ لأن كلامه عليه الصلاة والسلام مناجاة للحق تعالى، وأما السحاب فبالإشارة، فلولا الأمر لها بالإطاعة له عليه الصلاة والسلام لما كان ذلك؛ لأنها أيضا -كما جاء- مأمورة حيث تسير، وقدر ما تقيم، وأين تقيم. ويرحم الله الشقراطسي فلقد أحسن حيث قال:
دعوت للخلق عام المحل مبتهلا ... أفديك بالخلق من داع ومبتهل
صعدت كفيك إذ كف الغمام فما ... صوبت إلا بصوب الواكف الهطل
أوراق بالأرض ثجما صوب ريقه
__________
فيه المطر من الماء شهرا" وهذا كله التقطه المصنف من فتح الباري.
"وفي هذا" الحديث "دليل عظيم على عظم معجزته عليه الصلاة والسلام، وهو أن سخرت السحاب له، كلما أشار إليها امتثلت أمره بالإشارة دون كلام؛ لأن كلامه عليه السلام مناجاة للحق تعالى، وأما السحاب فبالإشارة، فلولا الأمر لها" من الله تعالى "بالإطاعة له عليه السلام لما كان" أي: وجد "ذلك؛ لأنها أيضا كما جاء مأمورة حيث تسير" أي: بالسير في المكان الذي تسير فيه "وقدر" نصب بنزع الخافض، أي: ويقدر "ما تقيم وأين تقيم".
وفي الفتح فيه علم من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عقبه أو معه ابتداء في الاستسقاء، وانتهاء في الاستصحاء وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة، وأن الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل وإن كان مقام الأفضل التفويض؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان عالما بما وقع لهم من الجدب وأخر السؤال في ذلك تفويضا لربه، ثم أجابهم إلى الدعاء لما سألوه بيانا للجواز وتقرير السنة هذه العبادة الخاصة، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة.
"ويرحم الله الشقراطسي، فلقد أحسن حيث قال: دعوت للخلق عام المحل" بفتح الميم وإسكان المهملة: الجدب "مبتهلا" مجتهد في الدعاء "أفديك بالخلق من داع" في موضع نصب على التمييز "ومبتهل" عطف عليه "صعدت" بالتشديد، أي: رفعت "كفيك" أي: يديك "إذ كف الغمام" أي: ماؤه، وقيل: بضم الكاف، أي منع ماء السحاب "فما صوبت"أي: وضعت كفيك "إلا بصوب" مصدرها المطر إذا نزل إلى الأرض "الواكف" القاطر "الهطل" المنسكب، أي: ما وضعت كفيك إلا ووضعك إياهما ملتبس بالمطر، مصاحب له، مرهون به "أراق بالأرض ثجا" بفتح المثلثة والجيم الثقيلة وصبا شديدا مصدر من معنى أراق: "صوب ريقه" بشد الياء بعدها قاف، أي: الواكف، أي: أفضله أو أوله، وقد يخفف الريق كهين وهين،

الصفحة 129