كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

وقوله في الحديث "سبتا": أي من السبت إلى السبت.
وقوله: "ثم دخل رجل" الظاهر أنه غير الأول؛ لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد، وفي رواية ابن إسحاق: فقام ذلك الرجل أو غيره، وفي رواية لمسلم: فتقشعت عن المدينة فجعلت تمطر حواليها وما تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل -وهو بكسر الهمزة وسكون الكاف: كل شيء دار من جوانبه، واشتهر لما يوضع على الرأس فيحيط به، وهو من ملابس الملوك
__________
"وقوله في الحديث: سبتا، أي: من السبت إلى السبت" تجوزا؛ لأن السبت الأول لم يكن مبتدأ ولا الثاني منتهي كما مر.
"وقوله: ثم دخل رجل، الظاهر" منه "أنه غير الأول؛ لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد" كقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5-6] ، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم: "لن يغلب عسر يسرين".
"وفي رواية ابن إسحاق" بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: "فقام ذلك الرجل أو غيره" رواه البخاري هنا، وله في الأدب عن قتادة عن أنس مثله، وعنده في الجمعة عن أنس مثله، ومر قريبا أنه لما سأله شريك: أهو ذلك الرجل أو غيره؟، قال: لا أدري، وكل ذلك يقتضي أنه كان يشك.
قال الحافظ: فالظاهر أن القاعدة المذكورة محمولة على الغالب؛ لأن أنسا من أهل اللسان، وللبخاري عن يحيى بن سعيد عن أنس: فأتى الرجل فقال: يا رسول الله، ومثله لأبي عوانة عن حفص عن أنس، بفظ: فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الرجل في الجمعة الأخرى، وأصله في مسلم، وهذا يقتضي الجزم بكونه واحدا، فلعل أنسا كان يتردد تارة، ويجزم أخرى باعتبار ما يغلب على ظنه.
"وفي رواية لمسلم" وكذا البخاري، كلاهما عن ثابت عن أنس إلا أن لفظ مسلم: "فتقشعت" بفتح الفوقية والقاف والشين المعجمة المشددة والعين المهملة، أي: زالت، ولفظ البخاي: فتكشطت بفتح التاء والكاف والشين المعجمة المشددة والطاء المهملة، أي: تكشفت، ولبعض رواته: فكشطت على البناء للمفعول "عن المدينة فجعلت تمطر" بفتح أوله وضم ثالثه، ولأبي ذر، بضم أوله وكسر ثالثه "حواليها وما تمطر بالمدينة" بفتح الفوقية وضم الطاء "قطرة" بالرفع فاعل تمطر، وضبطه النووي بضم أوله ونصب قطرة.
قال أنس: "فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل" ولأحمد من هذا الوجه: فتغور ما فوق رؤوسنا من السحاب حتى كأنا في إكليل "وهو -بكسر الهمزة وسكون الكاف- كل شيء دار من جوانبه، واشتهر لما وضع على الرأس فيحيط به وهو من ملابس الملوك

الصفحة 131