كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بلادهم فقالوا: يا رسول الله أسنت بلادنا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا وهلت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا، وتشفع لنا إلى ربك، ويشفع ربك إليك، فقال -صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله!! ويلك، أنا شفعت إلى ربي، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا هو العلي العظيم، وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد". فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليضحك من
__________
مكسورة، أي مجدبون وإضافته إليهم، تجوز. وروى مشتيون بشين معجمة ففوقية، أي: داخلون في الشتاء وحينئذ قل طعامهم "فأتوا مقرين بالإسلام، فسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بلادهم" أي: عن أحوالها "فقالوا" وفي رواية: فقال أحدهم، قال في النور: لا أعرفه، وقال الحافظ: الظاهر أنه خارجة؛ لأنه كبير الوفد، ولذا سمي من بينهم. انتهى، ولا يلزم من كونه كبيرهم أن يكون هو القائل: "يا رسول الله أسنت" بفتح الهمزة وسكون المهملة ونون فوقية، أي: أجدبت "بلادنا" أصابتها السنة وي الجدب "وأجدب جنابنا" بفتح الجيم وخفة النون فألف فموحدة الفناء وما قرب من محلة القوم، فعطفه بلا تاء على أسنت من عطف الجزء على الكل، إن أريد بجنابنا ما حول بيوتنا ومباين أن أريد به ما يقرب من بلادهم وقراءته جناننا بنونين أو بنون وفوقية تصحيف، فأرض العرب لم يكن بها جنان، وفي تعبيره بأسنت وأجدب تفنن؛ لأنهما متساويان "وغرث" بفتح المعجمة وكسر الراء ومثلثة جاع "عيالنا" لقلة ما يأكلون.
وفي نسخ: وغرثت بزيادة تاء، وتركها أظهر؛ لأن عيال الرجل من يعول ولو ذكورًا فهو مذكر "وهلكت مواشينا" لعدم ما تأكله "فادع ربك أن يغيثنا" بفتح أوله من الغيث، أي: يمطرنا وبضمه من الإغاثة وهي الإجابة "وتشفع:" توسل "لنا إلى ربك" بما بينك وبينه من السر، يقال: شفعت في الأمر شفعا وشفاعة طالبته بوسيلة أو ذمام "ويشفع ربك إليك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "سبحان الله" تعجبا من ذلك "ويلك" كلمة عذاب خاطبه بها زجرا وتنفيرا عن العود لمثلها، وإن عذر لقرب عهده بالإسلام "أنا شفعت إلى ربي" بفتح الفاء من باب منع كما في اللغة.
قال في النور: وهو بديهي كالشمس إلا أني أخبرت أن بعض الأروام كسرها "فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه" استفهام بمعنى النفي "لا إله إلا هو العلي" فوق خلقه بالقهر "العظيم" الكبير "وسع كرسيه السماوات والأرض".
قال في النور: الصواب أن الكرسي غير العلم خلافا لزاعمه ولزاعم أنه القدرة وأنه موضع قدميه، وإنما هو المحيط بالسماوات والأرض وهو دون العرش كما جاءت به الآثار "وهو" أي: الكرسي "يئط" بفتح التحتية وكسرة الهمزة وشد الطاء يصوت "من عظمته وجلاله كما يئط الرحل" بحاء مهملة "الجديد" بالجيم "فقال -صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليضحك" يدر رحمته ويجزل

الصفحة 134