كتاب شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (اسم الجزء: 11)

علي: كان عليه الصلاة والسلام يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
قال ابن تيمية: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل، والوتر خاتمته، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل، وتوحيد المعرفة والإرادة، وتوحيد الاعتقاد، فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص، ونفي
__________
يمد صوته بالثالثة؛ "وفي رواية: ويرفع صوته بالثالثة" مع مده على مفاد الروايتين.
"وعن علي: كان عليه الصلاة والسلام يقول في آخر وتره" قبل السلام على ظاهره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" أي: بما يرضيك عما يسخطك، فخرج عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبه، فهذا لله تعالى، ثم الذي لنفسه قوله: "وبمعافاتك من عقوبتك" عقبها لاستعاذته برضاه، لاحتمال أنه يرضى من جهة حقه ويعاقب على حق غيره "وأعوذ بك منك" ترق من الأفعال إلى منشئها مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق الذي هو محض المعرفة، لا يعبر عنه قول ولا يضبطه وصف، فهو محض التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وإفراده بالاستعاذة وغيرها "لا أحصي" لا أحصل "ثناء" بمثلثة ومد، وصفا بجميل "عليك" لعجزي عنه، إذ هو نعمة تستدعي شكرا إلى غير نهاية.
قال الإمام مالك: معناه وإن اجتهدت في الثناء عليك فلن أحصي نعمك ومننك وإحسانك "أنت" مبتدأ خبره "كما أثنيت" أي: الثناء عليك هو المماثل لثنائك "على نفسك" ولا قدرة لأحد عليه، ويحتمل أن أنت تأكيد للكاف من عليك باستعارة الضمير المنفصل للمتصل "رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه" وفيه أنه لا يبلغ وصفه، وإنما يوصف بما وصف به نفسه.
"قال ابن تيمية: سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل" لكونه أول النهار "والوتر خاتمته"؛ لأنه آخر الليل "وقد كان عليه الصلاة والسلام يقرأ في سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص" هما: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] الآية و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] "وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل وتوحيد المعرفة والإرادة وتوحيد الاعتقاد، فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، "متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة وما يجب إثباته للرب

الصفحة 14